التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{وَكَذَّبَ بِهِۦ قَوۡمُكَ وَهُوَ ٱلۡحَقُّۚ قُل لَّسۡتُ عَلَيۡكُم بِوَكِيلٖ} (66)

عطف على { انظر كيف نُصَرّفُ الآيات } [ الأنعام : 65 ] ، أي لعلَّهم يفقهون فلم يفقهوا وكذّبوا . وضمير { به } عائد إلى العذاب في قوله { على أن يبعث عليكم عَذَاباً } [ الأنعام : 65 ] ، وتكذيبهم به معناه تكذيبهم بأنّ الله يعذّبهم لأجل إعراضهم .

والتعبير عنهم ب { قومك } تسجيل عليهم بسوء معاملتهم لمن هو من أنفسهم ، كقوله تعالى : { قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القُرْبى } [ الشورى : 23 ] ، وقال طرفة :

وظُلْمُ ذوي القُربى أشدُّ مضاضةً *** على المرْء من وقْع الحُسام المهنّدِ

وتقدّم وجه تعدية فعل ( كذّب ) بالباء عند قوله تعالى : { وكذّبتم به } في هذه السورة [ 57 ] .

وجملة { وهو الحقّ } معترضة لقصد تحقيق القدرة على أن يبعث عليهم عذاباً الخ .

وقد تحقّق بعض ذلك بعذاببٍ من فوقهم وهو عذاب القحط ، وبإذاقتهم بأس المسلمين يوم بدر .

ويجوز أن يكون ضمير به عائداً إلى القرآن ، فيكون قوله : { وكذّب به } رجوعاً بالكلام إلى قوله { قل إنِّي على بيِّنة من ربِّي وكذّبتم به } [ الأنعام : 57 ] ، أي كذّبتم بالقرآن ، على وجه جعل ( مِنْ ) في قوله : { من ربِّي } [ الأنعام : 57 ] ابتدائية كما تقدّم ، أي كذّبتم بآية القرآن وسألتم نزولَ العذاب تصديقاً لرسالتي وذلك ليس بيدي . ثم اعتُرض بجمل كثيرة . أولاها : { وعنده مفاتح الغيب } [ الأنعام : 59 ] ، ثم ما بعده من التعريض بالوعيد ، ثم بنى عليه قوله : { وكذّب به قومك وهو الحقّ } فكأنّه قيل : قل إنّي على بيّنة من ربّي وكذّبتم به وهو الحقّ قُل لست عليكم بوكيل .

وقوله : { قل لست عليكم بوكيل } إرغام لهم لأنَّهم يُرُونَه أنَّهم لمَّا كذّبوه وأعرضوا عن دعوته قد أغاظوه ، فأعلمهم الله أنَّه لا يغيظه ذلك وأنّ عليه الدعوة فإذا كانوا يُغيظون فلا يغيظون إلاّ أنفسهم .

والوكيل هنا بمعنى المدافع الناصر ، وهو الحفيظ . وتقدّم عند قوله تعالى : { وقالوا حسبُنا الله ونعم الوكيل } في سورة [ آل عمران : 173 ] .

وتعديته ب ( على ) لتضمنّه معنى الغلبة والسلطة ، أي لست بقيِّم عليكم يمنعكم من التكذيب ، كقوله تعالى : { فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلاّ البلاغ } [ الشورى : 48 ] .