اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَكَذَّبَ بِهِۦ قَوۡمُكَ وَهُوَ ٱلۡحَقُّۚ قُل لَّسۡتُ عَلَيۡكُم بِوَكِيلٖ} (66)

قوله تعالى : { وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ }

قوله : " وكذَّبَ بِهِ " " الهاء " في " به " تعود على العذاب المُتقدِّمِ في قوله : { عذاباً مِنْ فَوقِكُمْ } قاله الزمخشري{[14159]} .

وقيل : تعود على القُرْآنِ .

وقيل : تعود على الوعيد المتضمن في هذه الآيات المتقدمة .

وقيل : على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا بعيد ؛ لأنه خُوطبَ بالكاف عقِيبَهُ ، فلو كان كذلك لقال : وكذب به قومك ، وادِّعاءُ الالتفات فيه أبْعَدُ .

وقيل : لا بد من حَذْفِ صِفَةٍ هنا ، أي : وكذب به قومك المُعَانِدُونَ ، أو الكافرون ؛ لأن قومه كلهم لم يُكَذِّبُوهُ ، كقوله :

{ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } [ هود :46 ] أي الناجين ، وحذف الصفة وبقاء الموصوف قليل جداً ، بخلاف العكس .

وقرأ ابن أبي عبلة{[14160]} : " وكذَّبت " بتاء التأنيث ، كقوله تعالى : { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ } [ الشعراء :105 ] { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ } [ الشعراء :160 ] باعتبار الجماعة .

قوله : { وهُوَ الحقُّ } في هذه الجملة وجهان :

الظاهر منهما : أنها استئناف .

والثاني : أنها حالٌ من " الهاء " في " به " ، أي : كذبوا به في حالِ كونه حقَّا ، وهو أعظم في القبح .

والمعنى أن الضمير في " به " للعذاب ، فمعنى كونه حقَّا لا بد أن ينزل بهم ، وإن عاد إلى القرآن ، فمعنى كونه حقّاً ، أي : كتاب منزل من عند الله ، وإن عاد إلى تصريف الآيات أي : أنهم كذَّبوا كون هذه الأشياءِ دلالاتٍ ، وهو حق{[14161]} .

قوله : " عَلَيْكُمْ " مُتعلِّقٌ بما بعده ، وهو توكيد ، وقدم لأجل الفواصِلِ ، ويجوز أن يكون حالاً من قوله : " بِوَكِيلٍ " ؛ لأنه لو تَأخَّرَ لجاز أن يكون صفة له ، وهذا عند من يُجِيزُ تقديم الحال على صاحبها المجرور بالحرف ، وهو اختيار جماعةٍ ، وأنشدوا عليه : [ الخفيف ]

غَافِلاً تَعْرُضُ المَنِيَّةُ لِلْمَرْ *** ءِ فَيُدْعَى وَلاتَ حينَ إبَاءُ{[14162]}

فقدم " غافلاً " على صاحبها ، وهو " المرء " ، وعلى عاملها وهو " تَعْرُضُ " فهذا أوْلَى .

ومنه [ الطويل ]

لَئِنْ كَانَ بَرْدُ المَاءِ هَيْمَانَ صَادِياً *** إليَّ حَبِيباً إنَّهَا لَحَبِيبُ{[14163]}

أي : إليَّ هيمان صادِياً ، ومثله : [ الطويل ]

فَإن يَكُ أذْوَادٌ أصِبْنَ ونِسْوَةٌ *** فَلَنْ يَذْهَبُوا فَرْغاً بِقَتْلِ حِبَالِ{[14164]}

" فَرْغاً " حال من " يقتل " ، و " حبال " بالمهملة اسم رَجُلٍ مع أن حرف الجر هنا زائد ، فجوازه أوْلَى مما ذكرناه .

فصل في المراد بالآية

معنى الآية : قل لهم يا محمد : لست عليكم برَقيبٍ ، وقيل : بمُسَلّط ألزمكم الإيمان شئتم أو أبيتم ، وأجازيكُمْ على تَكْذِيبكُمْ ، وإعراضكم عن قَبُولِ الدلائل ، إنما أنا رسول ومُنْذِرٌ ، والله المُجَازِي لكم بأعمالكم .

قال ابن عبَّاس والمفسرون : نسختها آية القتال ، وهو بعيد{[14165]} .


[14159]:ينظر: الكشاف 2/34.
[14160]:ينظر: الدر المصون 3/86، البحر المحيط 4/156.
[14161]:ينظر: الرازي 13/21.
[14162]:البيت في الأشموني 2/177، المقاصد النحوية 3/161، الدر المصون 3/86.
[14163]:البيت للمجنون ينظر: ديوانه ص (49)، سمط اللآلئ ص (2400)، ولعروة بن حزام في خزانة الأدب 3/212، 218، الشعر والشعراء ص (627)، وهو لكثير عزة في ديوانه ص (522)، السمط ص (400)، المقاصد النحوية 3/156، ولقيس بن ذريح في ديوانه ص (62) في شرح الأشموني 1/249، شرح ابن عقيل ص (33)، شرح عمدة الحافظ ص (428). الدر المصون 3/87.
[14164]:تقدم.
[14165]:ينظر: الرازي 13/21.