الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَكَذَّبَ بِهِۦ قَوۡمُكَ وَهُوَ ٱلۡحَقُّۚ قُل لَّسۡتُ عَلَيۡكُم بِوَكِيلٖ} (66)

قوله : { وَكَذَّبَ بِهِ } : الهاء في " به " تعود على العذاب المتقدم في قوله { عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ } قاله الزمخشري ، وقيل : تعود على القرآن ، وقيل : تعود على الوعيد المتضمن في هذه الآيات المتقدمة . وقيل : على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا بعيدٌ لأنه خوطب بالكاف عَقِيبَه ، فلو كان كذلك لقال : " وكذَّب به قومك ، وادِّعاء الالتفات فيه أبعدُ وقيل : لا بد من حذف صفة هنا أي : وكذَّب به قومك المعاندون ، أو الكافرون ، لأن قومه كلهم لم يكذِّبوه كقوله : { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } [ هود : 46 ] ، أي : الناجين . وحَذْفُ الصفة وبقاءُ الموصوف قليل جداً بخلاف العكس . وقرأ ابن عبلة .

{ وكَذِّبَتْ } بتاء التأنيث ، كقوله تعالى : { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ } [ الشعراء : 105 ] { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ } [ القمر : 33 ] . باعتبار الجماعمة

قوله : { وَهُوَ الْحَقُّ } في هذه الجملةِ وجهان ، الظاهر منهما : أنها استئناف ، والثاني : أنها حال من الهاء في " به " أي : كذَّبوا به في حال كونه حقاً ، وهو أعزم في القبح .

قوله : { عَلَيْكُمْ } متعلق بما بعده وهو توكيد وقدَّم لأجل الفواصل ، ويجوز أن يكون حالاً من قوله " بوكيل " ؛ لأنه لو تأخر لجاز أن يكون صفةً له ، وهذا عند مَنْ يُجيز تقديمَ الحال على صاحبها المجرور بالحرف وهو اختيار جماعة ، وأنشدوا عليه :

غافلاً تُعْرَضُ المَنِيَّةُ للمَرْ *** ءِ فيُدْعَى ولات حين إباءُ

فقدَّم " غافلاً " على صاحبها وهو " المرء " وعلى عاملها وهو " تُعرض " فهذا أَوْلى . ومنه :

لَئِنْ كان بَرْدُ الماءِ هَيْمانَ صادياً *** إليَّ حبيباً إنها لحبيبُ

أي : إليَّ هيمان صادِياً ، ومثله :

فإن يك أذوادٌ أُصِبْنَ ونسوةٌ *** فَلَنْ يذهبوا فَرْغاً بقتل حبالِ

" فرغاً " حال من " بقتل " و " حبال " بالمهملة اسم رجل ، مع أن حرف الجر هنا زائدة فجوازه أولى من ما ذكرنا .