التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{قَالَ ٱخۡرُجۡ مِنۡهَا مَذۡءُومٗا مَّدۡحُورٗاۖ لَّمَن تَبِعَكَ مِنۡهُمۡ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (18)

أعاد الله أمره بالخروج من السّماء تأكيداً للأمرين الأولِ والثّاني : قال : { اهبط منها } إلى قوله { فاخرج } [ الأعراف : 13 ] .

ومذءوم اسم مفعول من ذَأمه مهموزاً إذا عابَه وذمَّه ذَأماً وقد تسهل همزة ذأم فتصير ألفاً فيقال ذَام ولا تسهل في بقيّة تصاريفه .

مدحور مفعول من دَحره إذا أبعده وأقصاه ، أي : أخرجُ خروجَ مذمُوم مطرود ، فالذّم لِمَا اتّصف به من الرّذائل ، والطّرد لتنزيه عالم القُدس عن مخالطته .

واللاّم في { لمن تبعك } موطئة للقسم .

و ( مَن ) شرطية ، واللاّم في لأمْلأنّ لام جواب القسم ، والجواب ساد مسد جواب الشّرط ، والتّقدير : أُقسِم من تبعك منهم لأمْلأنّ جهنّم منهم ومنك ، وغُلِّب في الضّمير حال الخطاب لأنّ الفرد الموجود من هذا العموم هو المخاطَب ، وهو إبليس ، ولأنّه المقصود ابتداء من هذا الوعيد لأنّه وعيد على فعله ، وأمّا وعيد اتّباعه فبالتّبع له ، بخلاف الضّمير في آية الحجر ( 43 ) وهو قوله : { وإن جهنّم لموعدهم أجمعين } [ الحجر : 43 ] لأنّه جاء بعد الإعراض عن وعيده بفعله والاهتمام ببيان مرتبة عباد الله المُخْلَصين الذين ليس لإبليس عليهم سلطان ثمّ الإهتمام بوعيد الغاوين .

وهذا كقوله تعالى في سورة الحجر ( 41 ، 43 ) : { قال هذا صراط عليّ مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين } والتّأكيد بأجمعين للتّنصيص على العموم لئلا يحمل على التّغليب ، وذلك أنّ الكلام جرى على أمّة بعنوان كونهم إتباعاً لواحد ، والعرب قد تجري العموم في مثل هذا على المجموع دون الجمع ، كما يقولون : قتلت تميمٌ فُلاناً ، وإنّما قتله بعضهم ، قال النّابغة في شأن بني حُنّ ( بحاء مهملة مضمومه ) :

وهُمْ قتلوا الطاءِى بالجَوّ عَنْوَة