البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالَ ٱخۡرُجۡ مِنۡهَا مَذۡءُومٗا مَّدۡحُورٗاۖ لَّمَن تَبِعَكَ مِنۡهُمۡ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (18)

ذأمه عابه يذأمه ذأماً بسكون الهمزة ويجوز إبدالها ألفاً قال الشاعر :

صحبتك إذ عيني عليها غشاوة *** فلما انجلت قطعت نفسي أذيمها

وفي المثل لن يعدم الحسناء ذأماً .

وقيل : أردت أن تديمه فمدحته ، وقال الليث ذأمته حقرته ، وقال ابن قتيبة وابن الأنباري : ذأمه وذمّه ،دحره أبعده وأقصاه دحوراً قال الشاعر :

دحرت بني الحصيب إلى قديد *** وقد كانوا ذوي أشَر وفخر

{ قال اخرج منها مذؤوماً مدحوراً } الجمهور على أنّ الضمير عائد على الجنة والخلاف فيه كالخلاف في { فاهبط منها } وهذه ثلاث أوامر أمر بالهبوط مطلقاً ، وأمر بالخروج مخبراً أنه ذو صغار ، وأمر بالخروج مقيداً بالذمّ والطرد ، وقال قتادة : { مذؤوماً } لعيناً ، وقال الكلبي : ملوماً ، وقال مجاهد : منفيّاً ، وقيل : ممقوتاً و { مدحوراً } مبعداً من رحمة الله أو من الخير أو من الجنة أو من التوفيق أو من خواصّ المؤمنين أقوال متقاربة ، وقرأ الزهري وأبو جعفر والأعمش : مذوماً بضم الذال من غير همز فتحتمل هذه القراءة وجهين أحدهما ، وهو الأظهر ، أن تكون من ذأم المهموز سهل الهمزة وحذفها وألقى حركتها على الذّال والثاني أن يكون من ذام غير المهموز يذيم كباع يبيع فأبدل الواو بياء كما قالوا في مكيل مكول ، وانتصب { مدحوراً } على أنه حال ثانية على من جوّز ذلك أو حال من الضمير في { مذؤوماً } أو صفة لقوله { مذؤوماً } .

{ لمن تبعك منهم لأملأنّ جهنّم منكم أجمعين } قرأ الجمهور { لمن } بفتح اللام الابتداء ومن موصولة { ولأملأنّ } جواب قسم محذوف بعد من تبعك وذلك القسم المحذوف وجوابه في موضع خبر من الموصولة ، وقرأ الجحدري وعصمة عن أبي بكر عن عاصم { لمن تبعك منهم } بكسر اللام واختلفوا في تخريجها ، فقال ابن عطية : المعنى لأجل من تبعك منهم { لأملأن } انتهى ، فظاهر هذا التقدير أنّ اللام تتعلق بلأملأن ويمتنع ذلك على قول الجمهور أن ما بعد لام القسم لا يعمل فيما قبله ، وقال الزمخشري بمعنى لمن تبعك منهم الوعيد وهو قوله { لأملان جهنم منكم أجمعين } على أنّ { لأملانّ } في محل الابتداء و { لمن تبعك } خبره انتهى فإن أراد ظاهر كلامه فهو خطأ على مذهب البصريين لأنّ قوله { لأملأن } جملة هي جواب قسم محذوف فمن حيث كونها جملة فقط لا يجوز أن تكون مبتدأة ومن حيث كونها جواباً للقسم يمتنع أيضاً لأنها إذ ذاك من هذه الحيثية لا موضع لها من الإعراب ومن حيث كونها مبتدأة لها موضع من الإعراب ولا يجوز أن تكون الجملة لها موضع ولا موضع لها بحال لأنه يلزم أن تكون في موضع رفع لا في موضع رفع داخلاً عليها عامل غير داخل وذلك لا يتصور ، وقال أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الرازي : اللام متعلقة من الذأم والدّحر ومعناه أخرج بهاتين الصفتين لأجل أتباعك ذكر ذلك في كتاب اللوامح في شواذ القراءات ومعنى { منكم } منك وممن تبعك فغلب الخطاب على الغيبة كما تقول أنت وإخوتك أكرمكم .