وقوله تعالى : { إنا رسول رب العالمين } هو على أن العرب أجرت الرسول مجرى المصدر في أن وصفت به الجمع والواحد والمؤنث ، ومن ذلك قول الهذلي :
ألكني إليها وخير الرسو . . . ل أعلمهم بنواحي الخبر{[8913]}
ومنه قول الشاعر : وإن كان مولداً .
إن التي أبصرتها . . . سحراً تكلمني رسول{[8914]}
الرسول : فَعُول بمعنى مُفعَل ، أي مُرسل . والأصل فيه مطابقة موصوفه ، بخلاف فعول بمعنى فاعل فحقه عدم المطابقة سماعاً ، وفعول بمعنى اسم المفعول قليل في كلامهم ومنه : بقرة ذَلول ، وقولهم : صَبُوح ، لما يشرب في الصباح ، وغبوق ، لما يشرب في العشي ، والنَّشوق ، لما ينشق من دواء ونحوه . ولكن رسول يجوز فيه أن يُجرى مجرى المصدر فلا يطابق ما يجري عليه في تأنيث وما عدا الإفراد ، وورد في كلامهم بالوجهين تارة مُلازماً الإفراد والتذكير كما في هذه الآية ، وورد مطابقاً كما في قوله تعالى : { فقولا إنّا رسولا ربك } في سورة [ طَه : 47 ] ، فذهب الجوهري إلى أنه مشترك بين كونه اسماً بمعنى مَفعول وبين كونه اسم مصدر ولم يجعله مصدراً إذ لا يعرف فعول مصدراً لغير الثلاثي ، واحتج بقول الأشْعَر الجعفي :
ألاَ أَبلِغ بني عَمرو رسولاً *** بأني عن فُتاحتِكُم غَنِيُّ
[ الفتاحة : الحكم ] . وتبعه الزمخشري في هذه الآية إذ قال : الرسول يكون بمعنى المرسَل وبمعنى الرسالة فجُعل ثَمَّ ( أي في قوله : { إنا رسولا ربّك } في سورة [ طه : 47 ] ) بمعنى المرْسَل ، وجُعل هنا بمعنى الرسالة .
ألِكْنِي إليها وخير الرسُو *** ل أعلَمُهُم بنواحي الخبر
فهل من ريبة في أن ضمير الرسول في البيت مراد به المرسلون . وتصريح النحاة بأن فَعولاً الذي بمعنى المفعول يجوز إجراؤه على حالة المتّصِففِ به من التذكير والتأنيث فيجوز أن تقول : ناقَة رَكُوبة ورَكُوب ، يقتضي أن التثنية والجمعَ فيه مثل التأنيث . وقد تقدمت الإشارة إلى هذا في سورة طه وأحلنا تحقيقه على ما هنا .
ومبادأة خطابهما فرعونَ بأن وصفا الله بصفة ربّ العالمين مجابهة لفرعون بأنه مربوب وليس بربّ ، وإثبات ربوبية الله تعالى للعالمين . والنفي يقتضي وحدانية الله تعالى لأن العالمين شامل جميعَ الكائِنات فيشمل معبودات القبط كالشمس وغيرها ، فهذه كلمة جامعة لما يجب اعتقاده يومئذ .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا..."، يقول: فأت أنت يا موسى وأخوك هارون فرعون "فَقُولا إنّا رَسُولُ رَبّ العالَمينَ "إليك بأنْ "أرْسِلْ مَعَنا بَنِي إسْرائِيلَ".
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
{ورسول رب العالمين} فيه رد عليه، وأنه مربوب لله تعالى، بادهه بنقض ما كان أبرمه من ادعاء الألوهية، ولذلك أنكر فقال: وما رب العالمين والمعنى إليك.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما نفى سبحانه أن يكون شيء مما خافه موسى عليه السلام على هذا الوجه المؤكد، وكان ظهور ذلك في مقارعة الرأس أدل وأظهر، صرح به في قوله: {فأتيا} أي فتسبب عن ذلك الضمان بالحراسة والحفظ أني أقول لكما: ائتيا {فرعون} نفسه، وإن عظمت مملكته، وجلّت جنوده {فقولا} أي ساعة وصولكما له ولمن عنده: {إنا رسول} أفرده مريداً به الجنس الصالح للاثنين، إشارة بالتوحيد إلى أنهما في تعاضدهما واتفاقهما كالنفس الواحدة، ولا تخالف لأنه إما وقع مرتين كل واحدة بلون، أو مرة بما يفيد التثنية والاتفاق، فساغ التعبير بكل منهما، ولم يثنّ هنا لأن المقام لا اقتضاء له للتنبيه على طلب نبينا صلى الله عليه وسلم المؤازرة بخلاف ما مر في سورة طه {رب العالمين} أي المحسن إلى جميع الخلق المدبر لهم...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
اذهبا (فأتيا فرعون) فأخبراه بمهمتكما في غير حذر ولا تلجلج: (فقولا: إنا رسول رب العالمين) وهما اثنان ولكنهما يذهبان في مهمة واحدة برسالة واحدة. فهما رسول. رسول رب العالمين. في وجه فرعون الذي يدعي الألوهية، ويقول لقومه: (ما علمت لكم من إله غيري) فهي المواجهة القوية الصريحة بحقيقة التوحيد منذ اللحظة الأولى، بلا تدرج فيها ولا حذر. فهي حقيقة واحدة لا تحتمل التدرج والمداراة.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، لأن المترتب على الأمر بالذهاب أن يأتياه ويخاطباه بأنهما رسول رب العالمين، وأفردت رسالتهما بالتعبير برسول رب العالمين للإشارة إلى أن الرسالة التي أرسلا بها واحدة، وأنهما كرسول واحد، وأن موسى يتلقى أمر ربه ويعاونه هارون في التوضيح والتبيين، فهما رسولان لرسالة واحدة، وقد ذكر أنهما رسولان في سورة طه، فقالا: {إنا رسولا ربك} [طه: 47] على أساس أنهما رسولان، وإن كانت الرسالة واحدة، وأسندت إلى رب العالمين أي ربك ورب آبائك الأولين، ورب الناس أجمعين، فهو خطاب يوجب الخضوع لله تعالى من فرعون طاغية الأرض، ومن معه من قومه الذين يمالئونه، ويشجعونه.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{فائتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قولا له إن صفتكما التي تقابلانه بها، ليست صفة الأتباع الذين يطلبون بركته، ويتطلعون إلى عظمته، ويتحركون طوع إرادته، بل هي صفة رسول رب العالمين، التي توحي بالقوّة والرهبة، والعلوّ المهيمن على الموقع والكلمة والسلطة، فهناك رب العالمين الذي يملك الأمر كله، والحياة والموت بيده، فلا موجود غيره إلا وهو مخلوق له ومفتقرٌ إليه، وخاضعٌ لسلطانه، وعبدٌ له، وخاشعٌ أمامه، ونحن هنا نتحدث إليك باسمه لأننا نحمل رسالته.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.