المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَآ أَصَٰبَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيَعۡلَمَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (166)

الخطاب بقوله تعالى : { وما أصابكم } للمؤمنين ، و { الجمعان } هما عسكر النبي صلى الله عليه وسلم وعسكر قريش يوم -أحد- ودخلت الفاء في قوله : { فبإذن الله } رابطة مشددة ، وذلك للإبهام الذي في { ما } فأشبه الكلام الشرط ، وهذا كما قال سبيويه : الذي قام فله درهمان ، فيحسن دخول الفاء إذا كان القيام سبب الإعطاء ، وكل ترتيب هذه الآية ، فالمعنى إنما هو ، وما أذن الله فيه فهو الذي أصاب ، لكن قدم الأهم في نفوسهم والأقرب إلى حسهم ، والإذن : التمكين من الشيء مع العلم به{[3695]} .


[3695]:- نقل أبو حيان كلامه ابن عطية هذا ثم عقّب عليه بقوله: "لما كان من حيث المعنى أن الإصابة مترتبة على تمكين الله من ذلك حمل الآية على ذلك وادعى تقديما وتأخيرا ولا تحتاج الآية إلى ذلك، لأنه ليس شرطا وجزاء فيحتاج فيه إلى ذلك، بل هذا من باب الإخبار عن شيء ماض، والإخبار صحيح، أخبر تعالى أن الذي أصابهم يوم أحد كان لا محالة بإذن الله، فهذا إخبار صحيح، ومعنى صحيح، فلا نتكلف تقديما ولا تأخيرا ونجعله من باب الشرط والجزاء" (3/109).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَآ أَصَٰبَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيَعۡلَمَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (166)

عطف على قوله : { أو لما أصابتكم مصيبة } [ آل عمران : 165 ] وهو كلام وارد على معنى التسليم أي : هَبُوا أنّ هذه مصيبة ، ولم يكن عنها عوض ، فهي بقدر الله ، فالواجب التسليم ، ثم رَجَع إلى ذكر بعض ما في ذلك من الحكمة .

وقوله : { وما أصابكم } أرادَ به عين المراد بقوله : { أصابكم مصيبة } وهي مصيبة الهزيمة . وإنّما أعيد ما أصابكم لِيعيّن اليوم بأنّه يومَ التقى الجمعان . وما موصولة مضمّنة معنى الشرط كأنّه قيل : وأمّا ما أصابكم ، لأنّ قوله : { وما أصابكم } معناه بيانُ سببه وحكمته ، فلذلك قرن الخبر بالفاء . و { يوم التقى الجمعان } هو يوم أُحُد . وإنَّما لم يقل وهي بإذن الله لأنَّ المقصود إعلان ذكر المصيبة وأنّها بإذن الله إذ المقام مقام إظهار الحقيقة ، وأمّا التعبير بلفظ { ما أصابكم } دون أن يعاد لفظ المصيبة فتفنّن ، أو قُصد الإطناب .

والإذن هنا مستعمل في غير معناه إذ لا معنى لتوجّه الإذن إلى المصيبة فهو مجاز في تخلية الله تعالى بين أسباب المصيبة وبين المصابين ، وعدم تدارك ذلك باللطف . ووجه الشبه أنّ الإذن تخلية بين المأذون ومطلوبِه ومراده ، ذلك أنّ الله تعالى رتّب الأسباب والمسبّبات في هذا العالم على نظام ، فإذا جاءت المسبّبات من قِبَل أسبابها فلا عجب ، والمسلمون أقلّ من المشركين عدداً وعُدداً فانتصار المسلمين يومَ بدر كرامة لهم ، وانهزامهم يوم أُحُد عادة وليس بإهانة . فهذا المراد بالإذن .