" ما " موصولة بمعنى الذي ، في محل رفع بالابتداء ، و " بإذن الله " الخبر ، وهو على إضمار مبتدأ ، تقديره : فهو بإذن الله ، ودخلت الفاء في الخبر ؛ لشِبْه المبتدأ بالشرط ، نحو : الذي يأتيني فله درهم ، وهذا - على ما قرره الجمهورُ - مُشْكِل ؛ وذلك أنهم قرروا أنه لا يجوز دخول هذه الفاءِ زائدةً في الخبر إلا بشروط .
منها : أن تكون الصلةُ مستقبلةً في المعنى ؛ وذلك لأن الفاءَ إنما دخلت للشِّبْه بالشَّرط ، والشّرط إنما يكون في الاستقبال ، لا في الماضي ، لو قلت : الذي أتاني أمس فله درهم ، لم يصحّ ، " وأصابكم " - هنا - ماضٍ في المعنى ؛ لأن القصة ماضية ، فكيف جاز دخول هذه الفاء ؟
أجابوا عنه بأنه يُحْمل على التبيُّن - أي : وما تبين إصابته إياكم - كما تأولوا قوله :
{ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ } [ يوسف : 27 ] - أي تبين - وهذا شرطٌ صريحٌ ، وإذا صحَّ هذا التأويل فلْنَجْعَل " ما " - هنا - شرطاً صريحاً ، وتكون الفاء داخلة وجوباً ؛ لكونها واقعة جواباً للشرط .
وقال ابنُ عطية : " يحسن دخولُ الفاء إذا كان سببَ الإعطاء ، وكذلك ترتيبُ هذه ، فالمعنى إنما هو : وما أذن الله فيه فهو الذي أصابكم ، لكن قدم الأهم في نفوسهم ، والأقرب إلى حسّهم . والإذن : التمكينُ من الشيء مع العلم به " .
وهذا حسنٌ من حيثُ المعنى ؛ فإن الإصابة مرتبة على الإذْن من حيث المعنى ، وأشار بقوله : الأهم والأقرب ، إلى ما أصابهم يوم التقى الجَمْعَانِ .
ذكر في الآية الأولى أن الذي أصابهم كان من عند أنفسهم ، وذكر هذه الآية وجهاً آخرَ ، وهو أن يتميز المؤمنُ عن المنافقِ ، والمراد بالجمعينِ هو جمعُ المؤمنينَ ، وجمعُ المشركينَ في يوم أحُدٍ .
واختلفوا في المراد بقوله : { فَبِإِذْنِ اللَّهِ } فقيل : الإذن - هنا - عبارة عن التخلية ، وتَرْك المدافعة استعار الإذن لتخلية الكفار ؛ لأن الآذنَ في الشيء لا يَدْفَع المأذون له عن مراده .
وقيل : فبعِلْم الله ، كقوله : { وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ } [ التوبة : 3 ] وقوله : { آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ }
[ فصلت : 47 ] وقوله : { فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } [ البقرة : 279 ] وطعن الواحدي في هذا بأن الآية إنما هي لتسلية المؤمنين مما أصابهم ، ولا تحصل التسلية إذا كان ذلك واقعاً بعِلة ؛ لأن علمه عام في جميع المعلومات .
وقيل : فبأمر الله ؛ لقوله : { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ } [ آل عمران : 152 ] والمعنى : أنه - تعالى - لما أمر بالمحاربة ، ثم أدت تلك المحاربة إلى ذلك الانهزام صح - على سبيل المجاز - أن يقال : حصل ذلك بأمره .
ونُقِل - عن ابن عباسٍ - أن المرادَ من الإذن قضاءُ الله بذلك وحكمه به .
وهذا أولى ؛ لأن الآية تسلية للمؤمنين مما أصابهم ، وبهذا تحصل التسلية .
قوله : { وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ } في هذه اللام قولان :
أحدهما : أنها معطوفة على معنى قوله : { فَبِإِذْنِ اللَّهِ } عطف سبب على سبب ، فتتعلق بما تتعلق به الباء .
الثاني : أنها متعلقة بمحذوف ، أي : وليعلم فعل ذلك - أي : أصابكم - والأول أولى - وقد تقدم أن معنى : وليعلم الله كذا : أي يُبَيِّن ، أو يظهر للناس ما كان في علمه ، وزعم بعضهم أن ثَمَّ مضافاً ، أي : ليعلم إيمان المؤمنين ، ونفاق المنافقين ، ولا حاجة إليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.