اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَآ أَصَٰبَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيَعۡلَمَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (166)

" ما " موصولة بمعنى الذي ، في محل رفع بالابتداء ، و " بإذن الله " الخبر ، وهو على إضمار مبتدأ ، تقديره : فهو بإذن الله ، ودخلت الفاء في الخبر ؛ لشِبْه المبتدأ بالشرط ، نحو : الذي يأتيني فله درهم ، وهذا - على ما قرره الجمهورُ - مُشْكِل ؛ وذلك أنهم قرروا أنه لا يجوز دخول هذه الفاءِ زائدةً في الخبر إلا بشروط .

منها : أن تكون الصلةُ مستقبلةً في المعنى ؛ وذلك لأن الفاءَ إنما دخلت للشِّبْه بالشَّرط ، والشّرط إنما يكون في الاستقبال ، لا في الماضي ، لو قلت : الذي أتاني أمس فله درهم ، لم يصحّ ، " وأصابكم " - هنا - ماضٍ في المعنى ؛ لأن القصة ماضية ، فكيف جاز دخول هذه الفاء ؟

أجابوا عنه بأنه يُحْمل على التبيُّن - أي : وما تبين إصابته إياكم - كما تأولوا قوله :

{ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ } [ يوسف : 27 ] - أي تبين - وهذا شرطٌ صريحٌ ، وإذا صحَّ هذا التأويل فلْنَجْعَل " ما " - هنا - شرطاً صريحاً ، وتكون الفاء داخلة وجوباً ؛ لكونها واقعة جواباً للشرط .

وقال ابنُ عطية : " يحسن دخولُ الفاء إذا كان سببَ الإعطاء ، وكذلك ترتيبُ هذه ، فالمعنى إنما هو : وما أذن الله فيه فهو الذي أصابكم ، لكن قدم الأهم في نفوسهم ، والأقرب إلى حسّهم . والإذن : التمكينُ من الشيء مع العلم به " .

وهذا حسنٌ من حيثُ المعنى ؛ فإن الإصابة مرتبة على الإذْن من حيث المعنى ، وأشار بقوله : الأهم والأقرب ، إلى ما أصابهم يوم التقى الجَمْعَانِ .

فصل

ذكر في الآية الأولى أن الذي أصابهم كان من عند أنفسهم ، وذكر هذه الآية وجهاً آخرَ ، وهو أن يتميز المؤمنُ عن المنافقِ ، والمراد بالجمعينِ هو جمعُ المؤمنينَ ، وجمعُ المشركينَ في يوم أحُدٍ .

واختلفوا في المراد بقوله : { فَبِإِذْنِ اللَّهِ } فقيل : الإذن - هنا - عبارة عن التخلية ، وتَرْك المدافعة استعار الإذن لتخلية الكفار ؛ لأن الآذنَ في الشيء لا يَدْفَع المأذون له عن مراده .

وقيل : فبعِلْم الله ، كقوله : { وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ } [ التوبة : 3 ] وقوله : { آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ }

[ فصلت : 47 ] وقوله : { فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } [ البقرة : 279 ] وطعن الواحدي في هذا بأن الآية إنما هي لتسلية المؤمنين مما أصابهم ، ولا تحصل التسلية إذا كان ذلك واقعاً بعِلة ؛ لأن علمه عام في جميع المعلومات .

وقيل : فبأمر الله ؛ لقوله : { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ } [ آل عمران : 152 ] والمعنى : أنه - تعالى - لما أمر بالمحاربة ، ثم أدت تلك المحاربة إلى ذلك الانهزام صح - على سبيل المجاز - أن يقال : حصل ذلك بأمره .

ونُقِل - عن ابن عباسٍ - أن المرادَ من الإذن قضاءُ الله بذلك وحكمه به .

وهذا أولى ؛ لأن الآية تسلية للمؤمنين مما أصابهم ، وبهذا تحصل التسلية .

قوله : { وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ } في هذه اللام قولان :

أحدهما : أنها معطوفة على معنى قوله : { فَبِإِذْنِ اللَّهِ } عطف سبب على سبب ، فتتعلق بما تتعلق به الباء .

الثاني : أنها متعلقة بمحذوف ، أي : وليعلم فعل ذلك - أي : أصابكم - والأول أولى - وقد تقدم أن معنى : وليعلم الله كذا : أي يُبَيِّن ، أو يظهر للناس ما كان في علمه ، وزعم بعضهم أن ثَمَّ مضافاً ، أي : ليعلم إيمان المؤمنين ، ونفاق المنافقين ، ولا حاجة إليه .