البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمَآ أَصَٰبَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيَعۡلَمَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (166)

{ وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله } هو يوم أحد .

والجمعان ، جمع النبي صلى الله عليه وسلم وكفار قريش ، والخطاب للمؤمنين .

وما موصولة مبتدأ ، والخبر قوله : فبإذن الله ، وهو على إضمار أي : فهو بإذن الله .

ودخول الفاء هنا .

قال الحوفي : لما في الكلام من معنى الشرط لطلبته للفعل .

وقال ابن عطية : ودخلت الفاء رابطة مسددة .

وذلك للإبهام الذي في ما فأشبه الكلام الشرط ، وهذا كما قال سيبويه : الذي قام فله درهمان ، فيحسن دخول الفاء إذا كان القيام سبب الإعطاء انتهى كلامه .

وهو أحسن من كلام الحوفي ، لأن الحوفي زعم أن في الكلام معنى الشرط .

وقال ابن عطية : فأشبه الكلام الشرط .

ودخول الفاء على ما قاله الجمهور وقرروه قلق هنا ، وذلك أنهم قرّروا في جواز دخول الفاء على خبر الموصول أنّ الصلة تكون مستقلة ، فلا يجيزون الذي قام أمس فله درهم ، لأن هذه الفاء إنما دخلت في خبر الموصول لشبهه بالشرط .

فكما أن فعل الشرط لا يكون ماضياً من حيث المعنى ، فكذلك الصلة .

والذي أصابهم يوم التقى الجمعان هو ماض حقيقة ، فهو إخبار عن ماض من حيث المعنى .

فعلى ما قرّروه يشكل دخول الفاء هنا .

والذي نذهب إليه : أنه يجوز دخول الفاء في الخبر واصلة ماضية من جهة المعنى لورود هذه الآية ، ولقوله تعالى : { وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } ومعلوم أن هذا ماض معنى مقطوع بوقوعه صلة وخبر ، أو يكون ذلك على تأويل : وما يتبين إصابته إياكم .

كما تأولوا : { إنْ كان قميصه قدّ } أي إن تبين كون قميصه قدّ .

وإذا تقرّر هذا فينبغي أن يحمل عليه قوله تعالى : { ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } فإن ظاهر هذه كلها أخبار عن الأمور الماضية .

ويكون المعنى على التبين المستقبل .

وفسر الإذن هنا بالعلم .

وعبر عنه به لأنه من مقتضايه قاله : الزَّجاج .

أو بتمكين الله وتخليته بين الجمعين قاله : القفال .

أو بمرأى ومسمع ، أو بقضائه وقدره .

وقال الزمخشري : فهو كائن بإذن الله ، استعار الإذن لتخلية الكفار ، وأنه لم يمنعهم منهم ليبتلهم ، لأن الآذن مخل بين المأذون له ومراده . انتهى .

وفيه دسيسة الاعتزال ، لأنَّ قتل الكفار للمؤمنين قبيح عنده ، فلا إذن فيه .

وقال ابن عطية : يحسن دخول الفاء إذا كان سبب الإعطاء ، وكذلك ترتيب هذه الآية .

فالمعنى : إنما هو وما أذن الله فيه فهو الذي أصاب ، لكنْ قدّم الأهم في نفوسهم والأقرب إلى حسهم .

والإذن : التمكين من الشيء مع العلم به انتهى كلامه .

لما كان من حيث المعنى أن الإصابة مترتبة على تمكين الله ، من ذلك حملُ الآية على ذلك ، وادّعى تقديماً وتأخيراً ، ولا تحتاج الآية إلى ذلك ، لأنه ليس شرطاً وجزاء فيحتاج فيه إلى ذلك ، بل هذا من باب الإخبار عن شيء ماض ، والإخبار صحيح .

أخبر تعالى أنّ الذي أصابهم يوم أحد كان لا محالة بإذن الله ، فهذا إخبار صحيح ، ومعنى صحيح ، فلا نتكلف تقديماً ولا تأخيراً ، ونجعله من باب الشرط والجزاء .

/خ170