المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَتۡ يَٰوَيۡلَتَىٰٓ ءَأَلِدُ وَأَنَا۠ عَجُوزٞ وَهَٰذَا بَعۡلِي شَيۡخًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عَجِيبٞ} (72)

اختلف الناس في الألف التي في قوله : { يا ويلتى } وأظهر ما فيها أنها بدل ياء الإضافة ، أضلها : يا ويلتي ، كما تقول : يا غلاما ويا غوثا ؛ وقد تردف هذه الألف بهاء في الكلام ، ولم يقرأ بها ، وأمال هذه الألف عاصم والأعمش وأبو عمرو .

ومعنى { يا ويلتى } في هذا الموضع ؛ العبارة عما دهم النفس من العجب في ولادة عجوز ، وأصل هذا الدعاء بالويل ونحوه في التفجع لشدة أو مكروه يهم النفس ، ثم استعمل بعد في عجب يدهم النفس وقال قوم : إنما قالت : { يا ويلتى } لما مر بفكرها من ألم الولادة وشدتها ، ثم رجعت بفكرها إلى التعجب ونطقت بقولها { أألد وأنا عجوز } ؟ الآية .

وقرأت فرقة : «أألد » بتحقيق الهمزتين ، وقرأت فرقة بتخفيف الأولى وتحقيق الثانية ، وفي النطق بهذه عسر ، وقرأت فرقة : بتحقيق الأولى وتخفيف الثانية ، والتخفيف هنا مدها ، وقرأت فرقة «ءا ألد » بتحقيق الهمزتين ومدة بينهما .

و «العجوز » المسنة ، وقد حكى بعض الناس : أن العرب تقول : العجوزة{[6433]} ، و «البعل »{[6434]} : الزوج ، و { شيخاً } نصب على الحال وهي حال من مشار إليه لا يستغنى عنها لأنها مقصود الإخبار ، وهي لا تصح إلا إذا لم يقصد المتكلم التعريف بذي الحال ، مثل أن يكون المخاطب يعرفه ؛ وأما إذا قصد التعريف به لزم أن يكون التعريف في الخبر قبل الحال ، وتجيء الحال على بابها مستغنى عنها ، ومثال هذا قولك : هذا زيد قائماً ، إذا أردت التعريف بزيد . أو كان معروفاً وأردت التعريف بقيامه ، وأما إن قصد المتكلم أن زيديته إنما هي مادام قائماً ، فالكلام لا يجوز .

وقرأ الأعمش «هذا بعلي شيخ » ، قال أبو حاتم وكذلك في مصحف ابن مسعود ، ورفعه على وجوه : منها : أنه خبر بعد خبر كما تقول : هذا حلو حامض ، ومنها : أن يكون خبر ابتداء مضمر تقديره : هو شيخ وروي أن بعض الناس قرأه : «وهذا بعلي هذا شيخ » ، وهذه القراءة شبيهة بهذا التأويل . ومنها : أنه بدل من { بعلي } ومنها : أن يكون قولها { بعلي } بدلاً من { هذا } أو عطف بيان عليه ، ويكون «شيخ » خبر { هذا } .

ويقال شيخ وشيخة - وبعض العرب يقول في المذكر والمؤنث شيخ . وروي أن سارة كانت وقت هذه المقالة من تسع وتسعين سنة ، وقيل : من تسعين -قاله ابن إسحاق - وقيل من ثمانين ؛ وكذلك قيل في سن إبراهيم ، إنه كان مائة وعشرين سنة ، وقيل : مائة سنة ، وغير ذلك مما يحتاج إلى سند .


[6433]:- في اللسان: "والعجوز والعجوزة من النساء: الشيخة الهرمة، الأخيرة قليلة، والجمع: عُجُز وعجْز وعجائز"، وفي الصحاح: "والعجوز: المرأة الكبيرة، قال ابن السكيت: ولا تقل عجوزة، والعامة تقوله".
[6434]:- البعل في الأصل: كل شجر أو زرع لا يُسقى، وفي النخل: ما يشرب بعروقه من غير سقي ولا ماء سماء، فهو مستقل بنفسه، ولهذا سموا مالك الشيء بعله، ومن هذا البعل بمعنى الزوج، وأقرب ما قيل فيه هو ما حكاه الأزهري: إنما سمي زوج المرأة بعلا لأنه سيدها ومالكها، قال صاحب اللسان: "والأنثى بعل وبعلة مثل زوج وزوجة، قال الراجز" شر قرين للكبير بعلته تولغ كلبا سؤره أو تكفته"
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{قَالَتۡ يَٰوَيۡلَتَىٰٓ ءَأَلِدُ وَأَنَا۠ عَجُوزٞ وَهَٰذَا بَعۡلِي شَيۡخًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عَجِيبٞ} (72)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{قالت} سارة: {يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا}... {إن هذا لشيء عجيب} يعني لأمر عجيب أن يكون الولد من الشيخين الكبيرين...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: قالت سارّة لما بُشّرت بإسحاق أنها تلد تعجبا مما قيل لها من ذلك، إذ كانت قد بلغت السنّ التي لا يلد من كان قد بلغها من الرجال والنساء...

"ءألِدُ وأنا عَجُوزٌ" تقول: أنى يكون لي ولد وأنا عجوز.

"وَهَذَا بَعْلى شَيْخا" والبعل في هذا الموضع: الزوج، وسمي بذلك لأنه قّيم أمرها، كما سموا مالك الشيء بعله، وكما قالوا للنخل التي تستغني بماء السماء عن سقي ماء الأنهار والعيون البعل، لأن مالك الشيء القيم به، والنخل البعل بماء السماء حياته.

"إنّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ" يقول: إن كون الولد من مثلي ومثل بعلي على السنّ التي بها نحن لشيء عجيب...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

هي لم تتعجب من قدرة الله أنه قادر على أن يهب الولد في كل وقت، ولكنها تعجبت لما رأت العادة في النساء والرجال أنهم إذا بلغوا المبلغ الذين كانا هما عليه لم يلدوا. فتعجبا أنها لم تلد في الحال التي هما عليه أو يردا إلى حال الشباب. فعند ذلك يولد لهما، وكلاهما عجيب بحيث الخروج على خلاف العادة لا بحيث قدرة الرب، وهو كما ذكرنا من قول زكريا: (أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر) [آل عمران: 40] وفي موضع آخر: (وقد بلغت من الكبر عتيا) [مريم: 8] قوله: (أنى يكون لي غلام) في الحال التي أنا عليها أو يرد إلى شبابي. فعلى ذلك قولها: (أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ)...

أحكام القرآن للجصاص 370 هـ :

إنها مع علمها بأن ذلك في مقدور الله تعجّبت بطبع البشرية قبل الفِكرِ والرَّوِيَّة، كما ولّى موسى عليه السلام مُدْبراً حين صارت عصاه حية حتى قيل له: {أقبل ولا تخف إنك من الآمنين} [القصص: 31]...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوزٌ وهذا بَعْلي شيخا} لم تقصد بقولها يا ويلتا الدعاء على نفسها بالويل، ولكنها كلمة تخفُّ على أفواه النساء إذا طرأ عليهن ما يعجبن منه، وعجبت من ولادتها وهي عجوز وكون بعلها شيخاً لخروجه عن العادة، وما خرج عن العادة مستغرب ومستنكر...

{إن هذا لشيء عجيب} أي منكر، ومنه قوله تعالى: {بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم} [ق: 2] أي أنكروا. ولم يكن ذلك منها تكذيباً ولكن استغراباً له...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

ومعنى {يا ويلتى} في هذا الموضع؛ العبارة عما دهم النفس من العجب في ولادة عجوز، وأصل هذا الدعاء بالويل ونحوه في التفجع لشدة أو مكروه يهم النفس، ثم استعمل بعد في عجب يدهم النفس...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما شافهوها بذلك، صرحت بوجه العجب من أنه جامع بين عجبين في كونه منه ومنها بأن {قالت يا ويلتي} وهي كلمة تؤذن بأمر فظيع تخف على أفواه النساء ويستعملنها إلى اليوم، لكنهن غيرن في لفظها كما غير كثير من الكلام؛ والويل: حلول الشر؛ والألف في آخره بدل عن ياء الإضافة، كنى بها هنا عن العجب الشديد لما فيه من الشهرة ومراجمة الظنون؛ وقال الرماني: إن معناها الإيذان بورود الأمر الفظيع كما تقول العرب: يا للدواهي! أي تعالين فإنه من أحيانك فحضور ما حضر من أشكالك.

ولما كان ما بشرت به منكراً في نفسه بحسب العادة قالت: {ءَألد وأنا} أي والحال أني {عجوز وهذا} أي من هو حاضري {بعلي شيخاً} ثم ترجمت ذلك بما هو نتيجته فقالت مؤكدة لأنه -لما له من خرق العوائد- في حيز المنكر عند الناس: {إن هذا} أي الأمر المبشر به {لشيء عجيب}.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

لما بشّروها بذلك صرحت بتعجبها الذي كتمته بالضحك، فقالت: {يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إنّ هذا لشيءٌ عجيب}، فجملة {قالت} جواب للبشارة...

والنداء في {يا ويلتا} استعارة تبعية بتنزيل الويلة منزلة من يعقل حتّى تنادى، كأنها تقول: يا ويلتي احضر هنا فهذا موضعك.

والويلة: الحادثة الفظيعة والفضيحة. ولعلّها المرة من الويل. وتستعمل في مقام التعجب، يقال: يا ويلتي.

واتّفق القرّاء على قراءة {يا ويلتا} بفتحة مشبعة في آخره بألف. والألف التي في آخر {يا ويلتا} هنا يجوز كونها عوضاً عن ياء المتكلم في النداء. والأظهر أنها ألف الاستغاثة الواقعة خلَفاً عن لام الاستغاثة. وأصله: يا لَويلة. وأكثر ما تجيء هذه الألف في التعجّب بلفظ عجب، نحو: يا عجباً، وباسم شيء متعجب منه، نحو: يا عشبا...

والاستفهام في {أألد وأنا عجوز} مستعمل في التعجب. وجملة {أنا عجوز} في موضع الحال، وهي مناط التعجب.

والبعل: الزوج. وسيأتي بيانه عند تفسير قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلاّ لبعولتهن} في سورة [النّور: 31]، فانظره.

وزادت تقرير التعجب بجملة {إنّ هذا لشيء عجيب} وهي جملة مؤكدة لصيغة التعجب فلذلك فصلت عن التي قبلها لكمال الاتّصال، وكأنّها كانت متردّدة في أنهم ملائكة فلم تطمئنّ لتحقيق بشراهم.

وجملة {هذا بعلي} مركبة من مبتدأ وخبر لأنّ المعنى هذا المشار إليه هو بعلي، أي كيف يكون له ولد وهو كما ترى...