اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَتۡ يَٰوَيۡلَتَىٰٓ ءَأَلِدُ وَأَنَا۠ عَجُوزٞ وَهَٰذَا بَعۡلِي شَيۡخًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عَجِيبٞ} (72)

قوله : { قَالَتْ يا ويلتا } الظَّاهرُ كون الألف بدلاً من ياء المتكلم ولذلك أمالها أبو عمرو وعاصم في روايةٍ ، وبها قرأ الحسن{[18893]} " يَا وَيْلَتِي " بصريح الياء . وقيل : هي ألف الندبة ، ويوقفُ عليها بهاء السَّكْتِ . وكذلك الألف في " يَا وَيْلَتَا " و " يَا عَجَبَا " .

قال القفال - رحمه الله - : أصلُ الوَيْل هو الخِزْيُ ، ويقال : وَيلٌ لفلان ، أي الخزي والهلاك .

[ قال سيبويه : " وَيْح " زجر لمنْ أشرف على الهلاكِ ، و " وَيْل " ]{[18894]} لمن وقع فيه .

قال الخليلُ : ولَمْ أسْمَعْ على مثاله إلاَّ " وَيْح " ، و " وَيْد " ، و " وَيْه " ، وهذه كلمات متقاربة في المعنى .

قوله : " أَأَلِدُ " قرأ ابنُ كثير ونافع{[18895]} وأبو عمر " آلد " بهمزة ومدة ، والبقاون : بهمزتين بلا مدٍّ وقوله : { وَأَنَاْ عَجُوزٌ وهذا بَعْلِي شَيْخاً } الجملتان في محلِّ نصبٍ على الحالِ من فاعل " ألِدُ " أي : كيف تقعُ الولادة في هاتينِ الحالتين المنافيتين لها ؟ .

والجمهورُ على نصب " شَيْخاً " وفيه وجهان :

المشهورُ أنَّهُ حالٌ ، والعاملُ فيه : إمَّا التَّنْبيهُ وإما الإشارةُ . وإمَّا كلاهما .

والثاني : أنه منصوبٌ على خبر التَّقريب عند الكوفيين ، وهذه الحالُ لازمةٌ عند من لا يَجْهَل الخبر ، وأمَّا من جهله فهي غير لازمة .

وقرأ ابنُ مسعُود والأعمش وكذلك في مصحف ابن{[18896]} مسعود " شَيْخٌ " بالرَّفْع ، وذكروا فيه أوجهاً : إمَّا خبرٌ بعد خبر ، أو خبران في معنى خبر واحد نحو : هذا حلو حامض ، أو خبر " هَذَا " و " بَعْلي " بيانٌ ، أو بدلٌ ، أو " شيخٌ " بدلٌ من " بَعْلي " ، أو " بَعْلِي " مبتدأ و " شَيْخٌ " خبره ، والجملة خبر الأول ، أو " شَيْخٌ " خبر مبتدأ مضمر أي : هو شيخٌ .

والشَّيْخُ يقابله عجوزٌ ، ويقال : شَيْخَة قليلاً ؛ كقوله : [ الطويل ]

وتَضْحَكُ مِنِّي شَيْخَةٌ عَبْشمِيَّةٌ *** . . . {[18897]}

وله جموعٌ كثيرة ، فالصَّريحُ منها : أشياخ وشُيُوخ وشِيخان ، وشِيخَة عند من يرى أنَّ فعلة جمعٌ لا اسم جمع كغِلْمَة وفِتْيَة .

ومن أسماءِ جمعه : مَشِيخَة وشِيَخَة ومَشْيُوخاً .

وبَعْلُهَا : زوجها ، سُمِّي بذلك لأنَّهُ قيِّمُ أمرها .

قال الواحدي : وهذا من لَطِيفِ النَّحو وغامضه فإنَّ كلمة " هذا " للإشارة ، فكان قوله { وهذا بَعْلِي شَيْخاً } قائمٌ مقام أن يقال : أشير إلى بَعْلِي حال كونه شَيْخاً .

والمقصُودُ : تعريف هذه الحالة المخصوصة وهي الشَّيْخُوخة .

ثم قال : { إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } .

فإن قيل : كيف تعجَّبَتْ من قُدْرَةِ الله - تعالى - والتَّعجُّبُ من قدرةِ الله يدلُّ على الجهْلِ بقُدْرةِ الله تعالى ؛ وذلك يوجبُ الكُفْرَ ؟ .

فالجواب : أنَّها إنَّما تعجبت بحسب العُرْفِ والعادة لا بحسب القدرة ، فإنَّ الرَّجُلَ المسلم لو أخبره رجلٌ آخرُ صادقٌ بأنَّ الله - تعالى - يقلبُ هذا الجبل إبْرِيزاً ، فلا شكَّ أنه يتعجب نظراً إلى العادةِ لا استنكاراً للقدرةِ .


[18893]:ينظر: الكشاف 2/411 والبحر المحيط 5/244 والدر المصون 4/115.
[18894]:سقط في أ.
[18895]:ينظر: الإتحاف 2/132.
[18896]:ينظر: المحرر الوجيز3/191 والبحر المحيط 5/244 والدر المصون 4/115.
[18897]:تقدم.