المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ وَأَنۡهَٰرٗا وَسُبُلٗا لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} (15)

وقوله { وألقى في الأرض } الآية ، قال المتأولون { ألقى } بمعنى خلق وجعل .

قال القاضي أبو محمد : وهي عندي أخص من خلق وجعل ، وذلك أن { ألقى } تقتضي أن الله أحدث الجبال ليس من الأرض لكن من قدرته واختراعه ، ويؤيد هذا النظر ما روي في القصص عن الحسن عن قيس بن عباد ، أن الله تعالى لما خلق الأرض ، وجعلت تمور ، فقالت الملائكة ما هذه بمقرة على ظهرها أحداً ، فأصبحت ضحى وفيها رواسيها . و «الرواسي » الثوابت ، رسا الشيء يرسو إذا ثبت ، ومنه قول الشاعر في صفة الوتد :

وأشعث ترسيه الوليدة بالفهد{[7267]} . . . و { أن } مفعول من أجله ، و «الميد » الاضطراب ، وقوله { أنهاراً } منصوب بفعل مضمر تقديره وجعل أو وخلق أنهاراً . قال القاضي أبو محمد : وإجماعهم على إضمار هذه الفعل دليل على خصوص ل { ألقى } ولو كانت { ألقى } بمعنى خلق لم يحتج إلى هذا الإضمار ، و «السبل » الطرق ، وقوله { لعلكم تهتدون } في مشيكم وتصرفكم في السبل ، ويحتمل { لعلكم تهتدون } بالنظر في هذه المصنوعات على صانعها ، وهذا التأويل هو البارع ، أي سخر وألقى وجعل أنهاراً وسبلاً لعل البشر يعتبر ويرشد ولتكون علامات .


[7267]:هذا عجز بيت للأحوص، ذكر صاحب اللسان أن ابن بري قال: يقال أرسيت الوتد في الأرض إذا ضربتها فيها، قال الأحوص: سوى خالدات ما يرمن وهامد وأشعث ترسيه الوليدة بالفهر والفهر: الحجر، يذكر ويؤنث.والشاهد هنا أن «رسا» بمعنى ثبت، وهذا مثال للشيء المحسوس، وتستعمل«رسا»بمعنى ثبت أيضا في المعنويات، قال عنترة يصور شجاعته وثبات نفسه في المواقف الصعبة: وعلمت أن منيتي إن تأتني لا ينجيني منها الفرار الأسرع فصبرت عارفة لذلك حرة ترسو إذا نفس الجبان تطلع