المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَإِن مِّن قَرۡيَةٍ إِلَّا نَحۡنُ مُهۡلِكُوهَا قَبۡلَ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَوۡ مُعَذِّبُوهَا عَذَابٗا شَدِيدٗاۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ مَسۡطُورٗا} (58)

وقوله تعالى : { وإن من قرية } الآية : أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه ليس مدينة من المدن إلا هي هالكة قبل يوم القيامة بالموت والفناء ، هذا مع السلامة وأخذها جزءاً أو هي معذبة مأخوذة مرة واحدة فهذا عموم في كل مدينة و { من } لبيان الجنس{[7609]} ، وقيل المراد الخصوص { وإن من قرية } ظالمة{[7610]} ، وحكى النقاش أنه وجد في كتاب الضحاك بن مزاحم في تفسير هذه الآية استقراء البلاد المعروفة اليوم ، وذكر الهلاك كل قطر منها صفة ، ثم ذكر نحو ذلك عن وهب بن منبه ، فذكر فيه أن هلاك الأندلس وخرابها يكون بسنابك الخيل واختلاف الجيوش فيها ، وتركت سائرها لعدم الصحة في ذلك ، والمعلوم أن كل قرية تهلك ، إما من جهة القحوط والخسف غرقاً ، وإما من الفتن ، أو منهما ، وصور ذلك كثيرة لا يعلمها إلا الله عزّ وجل ، فأما ما هلك بالفتنة ، فعن ظلم ولا بد ، إما في كفر أو معاص ، أو تقصير في دفاع ، وحزامة ، وأما القحط فيصيب الله به من يشاء ، وكذلك الخسف .

وقوله { مهلكوها } الضمير لها ، وفي ضمن ذلك الأهل ، وقوله { معذبوها } هو على حذف مضاف ، فإنه لا يعذب إلا الأهل ، وقوله { في الكتاب } يريد في سابق القضاء ، وما خطه القلم في اللوح المحفوظ ، و «المسطور » المكتوب إسطاراً .


[7609]:علق أبو حيان على كلام ابن عطية هذا بقوله: "والتي لبيان الجنس – على قول من يثبت لها هذا المعنى – هو أن يتقدم قبل ذلك ما يفهم منه إبهام ما، فتأتي [من] لبيان الجنس، أي بيان ما أريد بذلك الذي فيه إبهام ما، كقوله تعالى: {ما يفتح الله للناس من رحمة}. وهنا لم يتقدم شيء مبهم تكون [من] فيه بيانا له، ولعل قوله: "لبيان الجنس" من الناسخ، ويكون ابن عطية قد قال: "لاستغراق الجنس"، ألا ترى أنه قال بعد ذلك: وقيل المراد الخصوص"؟ اهـ بتصرف.
[7610]:يقوي ذلك قوله تعالى: {وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون}. وما بين العلامتين [... . . . . ....] زيادة لتوضيح المعنى وسلامة العبارة.