الآية58 : وقوله تعالى : { وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا } قال أبو بكر الأصم : { وإن من قرية إلا نحن } مميتوها ، وقد يستعمل الهلاك في موضع الموت كقوله { إن امرؤ هلك }( النساء : 176 ) أي مات . ويقال أيضا : هلك أي مات .
فعلى ذلك يقول : قوله : { إلا نحن مهلكوها } أي مميتوها { قبل يوم القيامة } كقوله : { كل نفس ذائقة الموت } ( آل عمران : 185 ) وكقوله : { كل من عليها فان }( الرحمان : 26 ){ أو معذبوها } ( أي منتقموها ){[10999]} { عذابا شديدا } .
فعلى تأويله يصح على جميع القرى والمدن ، ليس ( على ){[11000]} قرية دون قرية ولا ( على مدينة دون ){[11001]} مدينة ولكن على الكل ما أخبر من إهلاك الكل بقوله : { كل نفس ذائقة الموت } ( آل عمران : 185 ) وقوله{[11002]} { كل من عليها فان }( الرحمن : 26 ) .
و يحتمل ما ذكر من إهلاك القرية إهلاك الأهل من بعد إهلاكها{[11003]} على ما فعل بكثير من القرى .
وجائز أن يكون يهلك الأهل ، وتبقى القرية على حالها ، ثم تهلك بنفسها قبل يوم القيامة ، والله أعلم : على تأويل أبي بكر يفعل ذا أو ذا : إما يميتهم موتا بآجالهم ، أو يعذبهم عذاب إهلاك .
وقال الحسن : قوله : { إلا نحن مهلكوها } أي مميتوها على ما قال أبو بكر{ أو معذبوها عذابا شديدا } يقول : إذا قامت الساعة قبل يوم القيامة كقوله : { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض } الآية( الزمر : 62 )وقوله : { إن زلزلة الساعة شيء عظيم }( الحج : 1 ) تقوم على شرار الناس ، فيكون ما ذكر من التعذيب لأولئك الذين يقوم بهم الساعة على قوله .
وقال قتادة : هذا قضاء من الله كما نسمعه ، ليس منه بُدُّ : إما أن يهلكها بموت كقوله : { كل نفس ذائقة الموت } . وإما أن يهلكها بعذاب مستأصل إذا تركوا أمره ، وكذبوا رسله ، وهو ما ذكرنا من الانتقام .
وقال بعضهم : يميت ( أهل ){[11004]} القرية بآجالهم ، وأما القرية لظالمة ، فيأخذها بالعذاب الذي ذكر ، فهو في القرون الماضية ، إن احتمل ذلك .
ويشبه أن يكون قوله { وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة } هو أن يهلك رؤساء ( أهل الكفر ){[11005]} وقادتهم ، فيصير الدين كله دينا واحدا ، أي هو الإسلام على ما قال بعض أهل التأويل في قوله : { أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها } ( الرعد : 41 ) قالوا : هو أن يهلك أهل الكفر{[11006]} ، فيجعل ملك أهل الكفر لأهل الإسلام ، فذلك نقصانها من أطرافها ، لا يزال ينقص أهل الكفر قرية فقرية وبلدة
فبلدة حتى تصير الأرض كلها لأهل الإسلام .
وهو ما روي عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( زويت لي الأرض ، فأريت مشارقها ومغاربها ، سيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها ) ( مسلم2889 ) فذلك ، والله أعلم ، تأويل قوله : { وإن من قرية إلا نحن مهلكوها } أي نهلك أهل الكفر .
ويشبه أن يكون قوله : { وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا }على ما أخبر أنه كان يفني جميع من كان على وجه الأرض ، ويجعل الأرض مستوية/304-أ/لا بناء فيها ولا ارتفاع حين{[11007]} قال : { كل من عليها فان }( الرحمان : 26 )وقال { ويسألونك عن الجبال }( طه : 105 ) وقال : { وبست الجبل بسا }الآية ( الواقعة : 5 )أخبر أنه لا يبقى عليها أحد ولا بناء ، فتصير كلها{ قاعا صفصفا } { لا ترى فيها عوجا ولا أمتا }( طه : 106و107 )فذلك إهلاكها وتعذيبها ، والله أعلم .
وقوله تعال : { كان ذلك في الكتاب مسطورا } قال بعضهم : كان ذلك في الكتاب الذي عند الله ، وهو اللوح المحفوظ مكتوبا . وقال بعضهم : كان ذلك في جميع كتب الله التي أنزلها على رسله مكتوبا ، أي ما من كتاب أنزله الله على رسله إلا وكان فيه{ كل من عليها فان }( الرحمن : 26 )وفيه{[11008]} : { كل نفس ذائقة الموت }( آل عمران : 185 ){ مسطورا } والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.