المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{لَّا يَسۡمَعُونَ فِيهَا لَغۡوًا إِلَّا سَلَٰمٗاۖ وَلَهُمۡ رِزۡقُهُمۡ فِيهَا بُكۡرَةٗ وَعَشِيّٗا} (62)

و «اللغو » الساقط من القول ، وهو أنواع مختلفة كلها ليست في الجنة ، وقوله { إلا سلاماً } ، استثناء منقطع ، المعنى لكن يسمعون كلاماً هو تحية الملائكة لهم في كل الأوقات . وقوله { بكرة وعشياً } ، يريد في التقدير أي يأتيهم طعامهم مرتين في مقدار اليوم والليلة من الزمن ، ويروى أن أهل الجنة تنسد لهم الأبواب بقدر الليل في الدنيا فهم يعرفون البكرة عند انفتاحها والعشي عند انسدادها ، وقال مجاهد : ليس بكرة ولا عشياً لكن يؤتى به على قدر ما كانوا يشتهون في الدنيا ، وقد ذكر نحوه قتادة ، أن تكون مخاطبة بما تعرفه العرب وتستغربه في رفاهة العيش ، وجعل ذلك عبارة عن أن رزقهم يأتي على أكمل وجوهه . وقال الحسن : خوطبوا على ما كانت العرب تعلم من أفضل العيش وذلك أن كثيراً من العرب إنما كان يجد الطعام المرة في اليوم وهي غايته ، وكان عيش أكثرهم من شجر البرية ومن الحيوان ونحوه ألا ترى قول الشاعر : [ المنسرح ]

عصرته نطفة تضمنها . . . لصب توقى مواقع السبل

أو وجبة من جناة أشكله . . . إن لم يزغها بالقوس لم تنلِ{[7990]}

الوجبة الأكلة في اليوم .


[7990]:الوجبة: الأكلة في اليوم والليلة وفي حديث الحسن: "يطعم عشرة مساكين وجبة واحدة"، والأشكلة: واحدة الأشكل وهو السدر الجبلي، وفي اللسان (شكل): "قال أبو حنيفة: أخبرني بعض العرب أن الأشكل شجر مثل شجر العناب في شوكه وعقف أغصانه، غير أنه أصغر ورقا وأكثر أفنانا، وهو صلب جدا، وله نبيقة حامضة شديدة الحموضة، منابته شواهق الجبال، تتخذ منه القسي، وإذا لم تكن شجرته عتيقة متقادمة كان عودها أصفر شديد الصفرة، وإذا تقادمت شجرته جاء عودها نصفين، نصف شديد الصفرة، ونصف شديد السواد". ويرغها: يطلبها ويريدها، من أراغ بمعنى أراد وطلب. والنصف الأول من البيت شاهد في اللسان على أن الأشكلة هي السدرة الجبلية، وهو غير منسوب. والشاعر يصف أكلة العربي في البادية بأنها مرة واحدة في اليوم، وأنها من شجر البرية، ولا يحصل عليها إلا ببحث ومشقة وتعب.