البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لَّا يَسۡمَعُونَ فِيهَا لَغۡوًا إِلَّا سَلَٰمٗاۖ وَلَهُمۡ رِزۡقُهُمۡ فِيهَا بُكۡرَةٗ وَعَشِيّٗا} (62)

{ إلا سلاماً } استثناء منقطع وهو قول الملائكة { سلام عليكم بما صبرتم } وقيل : يسلم الله عليهم عند دخولها .

ومعنى { بكرة وعشياً } يأتيهم طعامهم مرتين في مقدار اليوم والليلة من الزمن .

وقال مجاهد : لا بكرة ولا عشي ولكن يؤتون به على ما كانوا يشتهون في الدنيا .

وقد ذكر نحوه قتادة أن تكون مخاطبة بما تعرف العرب في رفاهة العيش .

وقال الحسن : خوطبوا على ما كانت العرب تعلم من أفضل العيش ، وذلك أن كثيراً من العرب إنما كان يجد الطعام المرة في اليوم ، وكان عيش أكثرهم من شجر البرية ومن الحيوان .

وقال الزمخشري : اللغو فضول الكلام وما لا طائل تحته ، وفيه تنبيه ظاهر على وجوب تجنب اللغو واتقائه حيث نزه الله عنه الدار التي لا تكليف فيها .

وما أحسن قوله { وإذا مرّوا باللغو مرّوا كراماً } { وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه } الآية أي أن كان تسليم بعضهم على بعض أو تسليم الملائكة عليهم { لغواً } فلا يسمعون لغواً إلاّ ذلك فهو من وادي قوله :

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم *** بهن فلول من قراع الكتائب

أو { لا يسمعون فيها } إلاّ قولاً يسلمون فيه من العيب والنقيصة على الاستثناء المنقطع ، أو لأن معنى السلام هو الدعاء بالسلامة ، ودار السلام هي دار السلامة وأهلها عن الدعاء بالسلامة أغنياء .

فكان ظاهره من باب اللغو وفضول الحديث لولا ما فيه من فائدة الكلام .

وقال أيضاً : ولا يكون ثم ليل ولا نهار ولكن على التقدير .

ولأن المتنعم عند العرب من وجد غداءً وعشاءً .

وقيل : أراد دوام الرزق ودروره كما تقول : أنا عند فلان صباحاً ومساءً وبكرةً وعشياً ، ولا يقصد الوقتين المعلومين انتهى .