الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{لَّا يَسۡمَعُونَ فِيهَا لَغۡوًا إِلَّا سَلَٰمٗاۖ وَلَهُمۡ رِزۡقُهُمۡ فِيهَا بُكۡرَةٗ وَعَشِيّٗا} (62)

قوله : { إِلاَّ سَلاَماً } : أبدى الزمخشريُّ فيه ثلاثةَ أوجهٍ أحدُها : أَنْ يكونَ معناه : إنْ كان تَسْلِيمُ بعضِهم على بعض - أو تسليمُ الملائكة عليهم - لغواً ، فلا يسمعون لغواً إلى ذلك فهو مِنْ وادي قولِه :

ولا عيبَ فيهم غيرَ أنَّ سيوفَهم *** بهنَّ فُلولٌ من قراعِ الكتائبِ

الثاني : أنهم لا يَسْمعون فيها إلا قولاً يَسْلَمون فيه من العيبِ والنقيصةِ ، على الاستثناء المنقطع . الثالث : أنَّ معنى السلامِ هو الدعاءُ بالسلامةِ ، ودارُ السلام هي دارُ السلامةِ ، وأهلُها عن الدعاءِ بالسلامةِ أغنياءُ ، فكان ظاهرُه من باب اللَّغْوِ وفُضولِ الحديث ، لولا ما فيه من فائِدةِ الإكرامِ .

قلت : ظاهرُ هذا أنَّ الاستثناء على الأول وأخر متصلٌ ؛ فإنه صَرَّح بالمنقطع في الثاني . أمَّا اتصالُ الثالثِ فواضحٌ ، لأنه أَطْلَقَ اللغوَ على السلامِ بالاعتبارِ الذي ذكره ، وأمَّا الاتصالُ في الأولِ فَعَسِرٌ ؛ إذ لا يُعَدُّ ذلك عيباً ، فليس من جنس الأول ، وسيأتي تحقيقُ هذا إنْ شاء الله تعالى عند قولِه تعالى { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى } [ الدخان : 56 ] .