فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَّا يَسۡمَعُونَ فِيهَا لَغۡوًا إِلَّا سَلَٰمٗاۖ وَلَهُمۡ رِزۡقُهُمۡ فِيهَا بُكۡرَةٗ وَعَشِيّٗا} (62)

{ لا يسمعون فيها لغوا } هو الهذر ، والفضول من الكلام الذي يلغى ولا طائل تحته ، وهو كناية عن عدم صدور اللغو منهم ، وقيل اللغو كل ما لم يكن فيه ذكر الله { إلا سلاما } هو استثناء منقطع أي سلام بعضهم على بعض أو سلام الله أو سلام الملائكة عليهم ، وقال الزجاج : السلام اسم جامع للخير ، لأنه يتضمن السلامة ، والمعنى أن أهل الجنة لا يسمعون ما يؤلمهم ؛وإنما يسمعون ما يسلمهم ؛ وأبدى الزمخشري فيه ثلاثة أوجه ذكرها سليمان الجمل .

{ ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا } قال المفسرون : ليس في الجنة بكرة ولا عشية ولا نهار ولا ليل بل ضوء ونور أبدا ، ولكنهم يؤتون رزقهم على مقدار ما يعرفون من الغداء والعشاء في الدنيا ، وبه قال ابن عباس وإنما يعرفون الليل بإرخاء الحجب ، وغلق الأبواب ، والنهار بفتحها ورفع الحجب ، كما روي ، والرزق في البكرة والعشي ، أفضل العيش عند العرب ، وقيل أراد دوام الرزق .

أخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، عن الحسن وأبي قلابة قالا : قال رجل يا رسول الله هل في الجنة من ليل ؟ قال وما هيجك على هذا ؟ قال سمعت الله يذكر في الكتاب : { ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا } فقلت الليل من البكرة والعشي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس هناك ليل وإنما هو ضوء ونور يرد الغدو على الرواح والرواح على الغدو ، تأتيهم طرف الهدايا من الله بمواقيت الصلاة التي كانوا يصلون فيها في الدنيا وتسلم عليهم الملائكة .