المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَلَئِن مُّتُّمۡ أَوۡ قُتِلۡتُمۡ لَإِلَى ٱللَّهِ تُحۡشَرُونَ} (158)

ثم قدم الموت في قوله تعالى : { ولئن متم أو قتلتم } لأنها آية وعظ بالآخرة والحشر ، وآية تزهيد في الدنيا والحياة ، والموت المذكور فيها هو موت على الإطلاق في السبيل وفي المنزل وكيف كان ، فقدم لعمومه وأنه الأغلب في الناس من القتل ، وقرأ نافع وحمزة والكسائي «مِتم » بكسر الميم و «متنا » و «مت » بالكسر في جميع القرآن وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر : بضم الميم في جميع القرآن ، وروى أبو بكر عن عاصم ضم الميم في جميع القرآن ، وروى عنه حفص ضم الميم في هذين الموضعين «أو مُتم ولئن مُتم » فقط ، وكسر الميم حيث ما وقعت في جميع القرآن ، قال أبو علي : ضم الميم هو الأشهر والأقيس ، مت تموت مثل : قلت تقول وطفت تطوف ، والكسر شاذ في القياس وإن كان قد استعمل كثيراً ، وليس كما شذ قياساً واستعمالاً كشذوذ اليجدع{[3651]} ونحوه ، ونظير مت تموت بكسر الميم فضل بكسر الضاد يفضل في الصحيح وأنشدوا{[3652]} :

ذكرت ابن عباس بباب ابن عامر . . . وما مر من عمري ذكرت وما فضل

وقوله تعالى : { لمغفرة } رفع بالابتداء { ورحمة } ، عطف على المغفرة و { خير } خبر الابتداء ، والمعنى : المغفرة والرحمة اللاحقة عن القتل أو الموت في سبيل الله خير ، فجاء لفظ المغفرة غير معرف إشارة بليغة إلى أن أيسر جزء منها خير من الدنيا ، وأنه كاف في فوز العبد المؤمن ، وتحتمل الآية أن يكون قوله { لمغفرة } إشارة إلى القتل أو الموت في سبيل الله ، سمى ذلك مغفرة ورحمة إذ هما مقترنان به ويجيء التقدير : لذلك مغفرة ورحمة وترتفع المغفرة على خبر الابتداء المقدر ، وقوله { خير } صفة لخبر الابتداء ، وقرأ جمهور الناس «تجمعون » بالتاء على المخاطبة وهي أشكل بالكلام ، وقرأ قوم منهم عاصم فيما روى عن حفص «يجمعون » بالياء ، والمعنى مما يجمعه المنافقون وغيرهم .

ثم ذكر تعالى الحشر إليه ، وأنه غاية لكل أحد قتل أو مات ، وفي الآية تحقير لأمر الدنيا وحض على طلب الشهادة ، أي إذا كان الحشر في كلا الأمرين فالمضي إليه في حال الشهادة أولى .


[3651]:- هذه الكلمة قافية بيت قائله ذو الخرق الطهوي، ذكره صاحب "اللسان" في مادة: (جدع). وفي (خزانة الأدب2/ 488) ونص البيت هو: يقول الخنى وأبغض العجم ناطقا إلى ربنا صوت الحمار اليجدع
[3652]:- قائله: أبو الأسود الدؤلي كما في (الأغاني 13/ 322)