روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَلَئِن مُّتُّمۡ أَوۡ قُتِلۡتُمۡ لَإِلَى ٱللَّهِ تُحۡشَرُونَ} (158)

لأن الموت أكثر من القتل وهما مستويان في الحشر ، والمعنى إنكم بأي سبب اتفق هلاككم تحشرون إلى الله تعالى لا إلى غيره فيجزي كلاً منكم كما يستحق فيجازي المحسن على إحسانه والمسىء على إساءته وليس غيره يرجى منه ثواب ، أو يتوقع منه دفع عقاب فآثروا ما يقرّبكم إليه ويجرّ لكم رضاه من العمل بطاعته والجهاد في سبيله ولا تركنوا إلى الدنيا ، ومما ينسب للحسين رضي الله تعالى عنه :

فإن تكن الأبدان للموت أنشئت *** فقتل امرئ بالسيف والله أفضل

والكلام في اللامين كالكلام في أختيهما بلامين ، وإدخال لام القسم على المعمول المقدم مشعر بتأكيد الحصر والاختصاص بأن ألوهيته تعالى هي التي تقتضي ذلك ، وادعى بعضهم أن تقديم هذا المعمول لمجرد الاهتمام ويزيده حسناً وقوع ما بعده فاصلة ، وما أشرنا إليه أولاً أولى ، قالوا : ولولا هذا التقديم لوجب توكيد الفعل بالنون لأن المضارع المثبت إذا كان مستقبلاً وجب توكيده مع اللام ، خلافاً للكوفيين حيث يجوزون التعاقب بينهما ؛ وظاهر صنيع بعض المحققين يشعر بأن في هذه الجملة مقدراً بقرينة ما قبله أي ولئن متم أو قتلتم في سبيل الله ، ولعل الحمل على العموم أولى ، وزعم بعض أن في الآية تقسيم مقامات العبودية إلى ثلاث أقسام ، فمن عبد الله تعالى خوفاً من ناره آمنه مما يخاف وإليه الإشارة بقوله تعالى : { لَمَغْفِرَةٌ مّنَ الله } [ آل عمران : 157 ] ومن عبد الله تعالى شوقاً إلى جنته أناله ما يرجو ، وإليه الإشارة بقوله سبحانه : { وَرَحْمَةً } [ آل عمران : 157 ] لأن الرحمة من أسماء الجنة ، ومن عبد الله تعالى شوقاً إلى وجهه الكريم لا يريد غيره فهو العبد المخلص الذي يتجلى عليه الحق جل جلاله في دار كرامته ، وإليه الإشارة بقوله عز اسمه : { لإِلَى الله تُحْشَرُونَ } ولا يخفى أنه من باب التأويل لا من قبيل التفسير .