قوله : { وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ } هذا الترتيب في غاية الحُسْنِ ؛ فإنه قال في الآية الأولى : { لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ } وهذه إشارةٌ إلى مَنْ عَبَدَه خوفاً من عقابه ، ثم قال : { وَرَحْمَةٌ } وهو إشارة إلى من عبده لطلب ثوابه ، ثم ختمها بقوله : { لإِلَى الله تُحْشَرُونَ } وهو إشارةٌ إلى مَنْ عبده لمجردِ لمجردِ العبوديةِ والربوبيةِ ، وهذا أعلى المقاماتِ ، يروى أن عيسى -عليه السَّلامُ - مَرَّ بأقَوامٍ نُحِفَتْ أبْدَانُهُمْ ، واصْفَرَّتْ وُجُوهُهُمْ ، ورأى عليهم آثارَ العبادة ، فقال : ماذا تَطْلبُون ؟ فقالوا : نخشى عذابَ اللَّهِ ، فقال : هو أكرمُ من لا يخلصكم من عذابه . ثم مرَّ بأقوام آخرينَ ، فرأى عليهم تلك الآثار ، فسألهم ، مَاذَا تَطْلُبُونَ ؟ فقالوا : نطلب الجنَّةَ والرَّحْمَةَ ، فقال : هو أكرم من أن يمنعكم رحمته . ثم مرَّ بقوم ، فرأى آثار العبودية عليهم أكثر ، فسألهم : فقالوا : نعبده لأنه إلهُنَا ، ونحن عبيدُهُ ، لا لرغبة ولا لرهبة ، فقال : أنتم العبيد المخلصونَ ، والمتعبدون المحقون .
قوله : { لإِلَى الله } اللام جواب القسم ، فهي داخلة على { تُحْشَرُونَ } و { وَإِلَى اللَّهِ } متعلقٌ به ، وإنما قُدِّم للاختصاص ، أي : إلى الله - لا إلى غيره - يكون حشركم ، أو للاهتمام به ، وحسًّنه كونُه فاصلة ، ولولا الفصل لوجب توكيد الفعل بالنون ؛ لأن المضارع المثبت إذا كان مستقبلاً وجب توكيده [ بالنون ] ، مع اللام ، خلافاً للكوفيين ؛ حيث يُجيزون التعاقُبَ بينهما .
وَقَتِيلِ مُرَّةَ أثأرَنَّ *** . . . {[6133]}
لَئِنْ يكَ قَدْ ضَاقََتْ عَلَيْكُمْ بُيُوتُكُمْ *** لَيَعْلَمُ رَبِّي أنَّ بَيْتِيَ وَاسِعُ{[6134]}
فجاء باللام دون النون ، والبصريون يجعلونه ضرورة .
فإن فُصِلَ بين اللام بالمعمول - كهذه الآية - أو بقَدْ ، نحو : والله لقد أقومُ .
كَذَبْتِ لَقَدْ أُصْبِي عَلَى المرْءِ عِرْسَهُ *** . . . {[6135]}
أو بحرف التنفيس ، كقوله تعالى : { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى } [ الضحى : 5 ] فلا يجوز توكيده - حينئذ - بالنون ، قال الفارسيُّ : " الأصل دخولُ النُّونِ ، فَرْقاً بين لام اليمينِ ، ولام الابتداءِ ، ولام الابتداء لا تدخل على الفضلاتِ ، فبدخول لام اليمين على الفضلة حصل الفرقُ ، فلم يُحْتَجْ إلى النون وبدخولها على " سوف " حصل الفرق - أَيضاً - فلا حاجةَ إلى النُّونِ ولام الابتداء لا تدخل على الفعل إلا إذا كان حالاً ، أما مستقبلاً فلا " .
وأتى بالفعل مبنيًّا لما لم يسم فاعله - مع أن فاعل الحشرِ هُوَ اللهُ - وإنما لم يصرح به ، تعظيماً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.