بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَلَئِن مُّتُّمۡ أَوۡ قُتِلۡتُمۡ لَإِلَى ٱللَّهِ تُحۡشَرُونَ} (158)

ثم قال : { وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ } في الغزو { لإِلَى الله تُحْشَرُونَ } بعد الموت . قرأ عاصم في رواية حفص : { خير مما يَجْمَعون } بالياء . وقرأ الباقون : بالتاء على معنى المخاطبة { فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ الله لِنتَ لَهُمْ } يقول : فبرحمة من الله وما صلة ، فالله ذكر منه أن جعل رسوله رحيماً رؤوفاً بالمؤمنين ، حيث قال : { فبما رحمة من الله } يا محمد { لِنتَ لَهُمْ } يا محمد أني لينت لهم جانبك ، وكنت رؤوفاً رحيماً بالمؤمنين { وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القلب } أي خشناً في القول غليظ القول { لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } أي لتفرقوا من عندك ، ولكن الله جعلك سهلاً سَمْحاً طلقاً ليناً لطيفاً باراً رحيماً ، وهكذا قال الضحاك .

ثم قال : { فاعف عَنْهُمْ } أي : فتجاوز عنهم ، ولا تعاقبهم بما يكون منهم من الزلة والذنب { واستغفر لَهُمُ } من ذلك الذنب { وَشَاوِرْهُمْ في الأمر } يقول : إذا أردت أن تعمل عملاً فاعمل بتدبيرهم ومشاورتهم ، ويقال : ناظرهم في الأمر . ويقال : ناظرهم عند القتال . وروي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ : { وشاوِرْهُمْ في بَعْضِ الأمر } لأنه كان يشاورهم فيما لم ينزل عليه الوحي فيه ، وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم عاقلاً ذا رأي ، ولكنه أمر بالمشورة ليَقْتَدي به غيره ، ولأن في المشاورة تودُّداً لأصحابه ، لأنه إذا شَاوَرهم تَوَدَّد قلوبهم . وفي المشورة أيضاً ترك الملامة ، لأنه يقال : فعلت كذا بمشاورتكم . وروى سهل بن سعيد الساعدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « مَا شَقِيَ عَبْدٌ قَطّ بِمَشُورَةٍ وَمَا سَعِدَ عَبْدٌ بِاسْتِغْنَاءِ رَأْيٍ » ثم قال تعالى : { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله } أي لا تتوكل على المشورة ، ولكن توكل على الله بعد المشورة لا على الأصحاب { إِنَّ الله يُحِبُّ المتوكلين } الذين يتوكلون على الله .