المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{قُمِ ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلٗا} (2)

واختلف الناس في هذا الأمر بقيام الليل كيف كان ؟ فقال جمهور أهل العلم : هو أمر على جهة الندب مذ كان لم يفرض قط ، ويؤيد هذا : الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة في رمضان خلف حصير احتجره فصلى وصلى بصلاته ناس ثم كثروا من الليلة القابلة ثم غص المسجد بهم في الثالثة أو الرابعة فلم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فحصبوا بابه فخرج مغضباً وقال : «إني إنما تركت الخروج لأني خفت أن يفرض عليكم » . وقيل إنه لم يكلمهم إلا بعد الصبح{[11387]} . وقال آخرون : كان فرضاً في وقت نزول هذه الآية . واختلف هؤلاء فقال بعضهم : كان فرضاً على النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، وبقي كذلك حتى توفي عليه السلام ، وقيل : بل نسخ عنه ولم يمت إلا والقيام تطوع ، وقال بعضهم : كان فرضاً على الجميع ودام الأمر على ما قال سعيد بن جبير عشر سنين ، وقالت عائشة وابن عباس دام عاماً ، وروي عنها أيضاً ثمانية أشهر ثم رحمهم الله تعالى . فنزلت : { إن ربك يعلم أنك تقوم } [ المزمل : 20 ] فخفف عنهم . وقال قتادة بقي عاماً أو عامين . وقرأ أبو السمال «قمُ الليل » بضم الميم لاجتماع الساكنين ، والكسر في كلام العرب أكثر كما قرأ الناس .


[11387]:روى هذا الحديث الشيخان، البخاري في باب الأدب، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين، ولفظه كما في البخاري: عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرة مخصفة أو حصيرا، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إليها فتتبع إليه رجال وجاءوا يصلون بصلاته، ثم جاءوا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم فلم يخرج إليهم، فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب، فخرج إليهم مغضبا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة. وأخرج ابن جرير الطبري مثله عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للناس حين خرج مغضبا : (يأيها الناس اكفلوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل، وخير الأعمال ما دمتم عليه)، ومعنى اكلفوا: تحملوا.