تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قُمِ ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلٗا} (2)

الآيات 2 -4 : وقوله تعالى : { قم الليل إلا قليلا }{ نصفه أو انقص منه قليلا } { أو زد عليه } جائز أن يكون هذا الأمر كله منصرفا إلى وقت واحد . فإذا صرفت إلى وقت واحد : فإما أن يكون قوله عز وجل{ إلا قليلا }{ نصفه أو انقص منه قليلا }{ أو زد عليه } منصرفا إلى قوله[ { قم الليل } وإما{[22377]} إلى قوله : ]{[22378]}{ إلا قليلا } .

فإن صرفت النقصان إلى قوله : { إلا قليلا } زدت في الأمر بالقيام .

وإن صرفت النقصان إلى قوله : { قم الليل } فقد زدت في قوله : { نصفه أو انقص منه قليلا } فإلى أّيهما صرف اقتضى الزيادة في أحدهما والنقصان في الآخر ، فيتفق معناهما .

وهذا نظير قوله : { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة }[ النساء : 176 ] .

فمنهم من جعل الكلالة اسما للميت الموروث عنه ، ومنهم من أوقع هذا الاسم على الحيّ الذي يرث الميت ، وأيهما كان فهو يقتضي معنى واحدا لأن منزلة الحيّ من مورّثه ومنزلة الموروث من الحيّ واحدة ، لا تختلف .

وجائز أن يكون هذا على اختلاف الأوقات على ما ذكره أهل التفسير ، فيكون قوله : { قم الليل إلا قليلا } أمرا بإحياء أكثر الليالي ، ثم يكون في قوله : { أو انقص منه قليلا } تخفيف الأمر عليه ، فيكون فيه أن له أن ينقص عن الأكثر .

وقوله تعالى : { أو زد عليه } أي على المقدار الذي أبيح له في النقصان{[22379]} . وإذا ارتفع النقص عاد الأمر إلى ما كان مأمورا[ به ]{[22380]} في الابتداء .

ثم القليل ليس باسم لأعين الأشياء ، ولكنه من الأسماء المضافة . فإذا قيل{[22381]} : قليل اقتضى ذكره تثبيت ما هو أكثر منه حتى[ يصير ]{[22382]} هذا قليلا إذا قوبل بما[ هو ]{[22383]} أكثر منه . فلذلك قالوا بأن قوله : { قم الليل } يقتضي أمر القيام أكثر الليل .

ولهذا ، قال أصحابنا في من أقر لفلان عليه ألف درهم إلا قليلا ، إنه يلزمه أكثر من نصف الألف لأنه استثنى القليل ، فلا بد من أن يكون المستثنى منه أكثر من المستثنى حتى يكون المستثنى قليلا ممّا{[22384]} استثنى ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ورتل القرآن ترتيلا } فالترتيل هو التبيين في اللغة ، أي بينه تبيينا . وقيل : اقرأه حرفا حرفا على التقطيع لما ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقطّع القراءة .

ولكن جائز أن يكون قرأه على التقطيع لأن التبيين كان في تقطيعه ، وإنما أمر بالتبيين لأن القرآن لم ينزل لتجود قراءته فقط ، لكنه لمعان ثلاثة .

أحدها : أن يقرأ للحفظ والبقاء إلى يوم القيامة لئلا يذهب ، ولا ينسى .

والثاني : أن يقرأ لتذكر ما فيه وفهم ما أودع من الأحكام وما لله عليهم من الحقوق وما لبعضهم على بعض .

والثالث : أن يقرأ ليعمل بما فيه ، ويتعظ[ المرء بمواعظه ، ويجعله المسلمون ]{[22385]} إماما يتبعون أمره ، وينتهون عما نهى عنه .

فتنفيذ قراءته في الصلاة يلزمنا هذا كله . ولا يدرك ذلك إلا بالتأمل ؛ وذلك عند قراءته على الترتيل .

وهذا الذي ذكرناه يوجب اختيار من يرى الوقوف في القرآن ، لأن ذلك أدل على المعنى وأقرب إلى الأفهام .

وفيه دلالة أن المستحب فيه : ترك الإدغام وترك الهمز الفاحش ، لأن ذلك أبلغ في التبيين .

والأصل أن[ سامع القرآن ]{[22386]} مأمور بالاستماع إليه ، وإذا لزمه الاستماع ، وفي الاستماع الوقوف على حسن نظمه وعجيب حكمته والوقوف على معانيه ، لزم القارئ تبيينه ليصل السامع إلى معرفة معانيه ، ويقف على حسن نظمه وعجيب تأليفه ؛ وذلك يكون أقرب إلى أفهام السامع والقارئ لما فيه من لطائف المعاني .

ثم الترتيل منصرف إلى القراءة قرآنا على جهة المصدر أن ما هو كلام الله تعالى لا يوصف بالترتيل ، والله الموفق .


[22377]:في م: أو.
[22378]:من م، ساقطة من الأصل.
[22379]:في الأصل و م: الانتقاص.
[22380]:من م، ساقطة من الأصل.
[22381]:ساقطة من م.
[22382]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل و م.
[22383]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل و م.
[22384]:في الأصل و م: كما.
[22385]:في الأصل و م: هو بمواعظه ويجعلونه.
[22386]:في الأصل و م: السامع في القرآن.