فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُمِ ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلٗا} (2)

{ قم الليل } أي قم للصلاة في الليل الذي هو وقت الخلوة والخفية والستر ، وقيل أن معنى قم صل عَبّر به عنه واستعير له ، واختلف هل كان هذا القيام الذي أمره به فرضا عليه أو نقلا فقيل الأمر للوجوب ، وكان واجبا عليه وعلى أمته ، بل وعلى سائر الأنبياء قبله ، وأول ما فرض عليه صلى الله عليه وسلم بعد الدعاء والإنذار قيام الليل ، وقال القرطبي ؛ والدلائل تقوي أن قيامه كان فرضا عليه صلى الله عليه وآله وسلم وحده أو عليه وعلى من كان قبله من الأنبياء أو عليه وعلى أمته ، ثلاثة أقوال : الأول قول سعيد بن جبير لتوجه الخطاب له ، والثاني قول ابن عباس ، والثالث قول عائشة وابن عباس أيضا . كذا في الخطيب والخازن وغيرهما .

والعامة على كسر الميم لالتقاء الساكنين ، وأبو السماك يضمها إتباعا لحركة القاف ، وقرئ بفتحها طلبا للخفة ، قال أبو الفتح والغرض الهرب من التقاء الساكنين فبأي حركة حرك الأول حصل الغرض .

قلت إلا أن الأصل الكسر لدليل ذكره النحويون ، والليل ظرف للقيام وإن استغرقه الحدث الواقع فيه ، هذا قول البصريين ، وأما الكوفيون فيجعلون هذا النوع مفعولا به .

أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي وغيرهم عن سعد بن هشام قال قلت لعائشة " أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت ألست تقرأ هذه السورة { يا أيها المزمل } قلت بلى ، قالت فإن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم ، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهرا . ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة ، وصار قيام الليل تطوعا من بعد فرضه " وقد روي هذا الحديث عنها من طرق .

وعن ابن عباس قال : " لما نزل أول المزمل كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها وكان بين أولها وآخرها نحو من سنة " أخرجه البيهقي والحاكم وصححه والطبراني وغيرهم ، وعن أبي عبد الرحمن السلمي قال : " لما نزلت يا أيها المزمل قاموا حولا حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت { فقرأوا ما تيسر منه } فاستراح الناس " وأخرج أبو داود في ناسخه وابن نصر وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس " في الآية قال نسختها الآية التي فيها { علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرأوا ما تيسر من القرآن } " .

وقوله { إلا قليلا } استثناء من الليل أي صل الليل كله إلا يسيرا منه ، والقليل من الشيء هو ما دون النصف ، وقيل ما دون السدس ، وقيل ما دون العشر ، وقال مقاتل والكلبي المراد بالقليل هنا الثلث وقد أغنانا عن هذا الاختلاف قوله { نصفه } قال الزجاج هو بدل من الليل والاستثناء هو من النصف .