المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{لَٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ جَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡخَيۡرَٰتُۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (88)

الأكثر في { لكن } أن تجيء بعد نفي ، وهو ها هنا في المعنى ، وذلك أن الآية السالفة معناها أن المنافقين لم يجاهدوا فحسن بعدها «لكن الرسول والمؤمنون جاهدوا » ، و { الخيرات } جمع خيرة وهو المستحسن من كل شيء ، وكثر استعماله في النساء ، فمن ذلك قوله عز وجل : { فيهن خيرات حسان }{[5824]} ومن ذلك قول الشاعر أنشده الطبري : [ الكامل ]

ولقد طعنت مجامع الربلات *** ربلات هند َخيرة الملكات{[5825]}

و { المفلحون } الذين أدركوا بغيتهم من الجنة ، والفلاح يأتي بمعنى إدراك البغية ، من ذلك قول لبيد : [ الرجز ]

أفلح بما شئت فقد يبلغ بالض*** عف وقد يخدع الأريب{[5826]}

ويأتي بمعنى البقاء ومن ذلك قول الشاعر : [ المنسرح ]

لكل همٍّ من الهموم سعهْ*** والمسى والصبح لا فلاح معهْ{[5827]}

أي لا بقاء .

قال القاضي أبو محمد : وبلوغ البغية يعم لفظة الفلاح حيث وقعت فتأمله .


[5824]:- الآية (70) من سورة (الرحمن).
[5825]:- البيت أنشده أيضا أبو عبيدة، وهو لرجل من بني عدي تيم جاهلي، قال الأخفش في قوله تعالى: {فيهن خيرات حسان}: "إنه لما وصف به وقيل: "فلان خير" أشبه الصفات فأدخلوا فيه الهاء للمؤنث، ولم يريدوا به أفعل، (كما في البيت)، فإن أردت معنى التفضيل قلت: "فلانة خير الناس" ولم تقل خيرة، "وفلان خير الناس" ولم تقل أخير. والرّبلات: جمع ربلة بتسكين الباء وبتحريكها، قال الأصمعي: والتحريك أفصح، وهي ما حول الضّرع والحياء من باطن الفخذ، وخيرة بسكون الخاء هي الفاضلة من كل شيء. وقيل: هي الكريمة النسب، الشريفة الحسب، الحسنة الوجه، الحسنة الخلق، الكثيرة المال.
[5826]:- نسب صاحب (اللسان) البيت لعبيد، ورواه "بالنّوك" بدلا من "بالضعف" وأشار إلى رواية الضعف، والمعنى: عش بما شئت من عقل وحمق فقد يرزق الأحمق ويُحرم العاقل. وقد سبق الاستشهاد بالبيت في غير هذا الموضع من الكتاب.
[5827]:- البيت للأضبط بن قريع السعدي، والمعنى: ليس مع كرّ الليل والنهار بقاء. وهذا وقد سبق لابن عطية أن استشهد بهذا البيت في مواضع أخرى من تفسيره.