البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لَٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ جَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡخَيۡرَٰتُۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (88)

{ لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون أعدّ الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم } : لما ذكر أنّ أولئك المنافقين اختاروا الدعة وكرهوا الجهاد ، وفروا من القتال ، وذكر ما أثر ذلك فيهم من الطبع على قلوبهم ، ذكر حال الرسول والمؤمنين في المثابرة على الجهاد ، وذلك ما لهم من الثواب .

ولكن وضعها أنْ تقع بين متنافيين .

ولما تضمن قول المنافقين ذرنا ، واستئذانهم في القعود ، كان ذلك تصريحاً بانتفاء الجهاد .

فكأنه قيل : رضوا بكذا ولم يجاهدوا ، ولكنّ الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا .

والمعنى : إنْ تخلف هؤلاء المنافقون فقد توجه إلى الجهاد من هو خير منهم وأخلص نية .

كقوله تعالى : { فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين } { فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار } والخيرات : جمع خيرة وهو المستحسن من كل شيء ، فيتناول محاسن الدنيا والآخرة لعموم اللفظ ، وكثرة استعماله في النساء ومنه فيهن خيرات حسان .

وقال الشاعر :

ولقد طعنت مجامع الربلات ***

ربلات هند خيرة الملكات

وقيل : المراد بالخيرات هنا الحور العين .

وقيل : المراد بها الغنائم من الأموال والذراري .