معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلَٰمِ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (25)

قوله تعالى : { والله يدعو إلى دار السلام } ، قال قتادة : السلام هو الله ، وداره : الجنة . وقيل : السلام بمعنى السلامة ، سميت الجنة دار السلام لأن من دخلها سلم من الآفات . وقيل المراد بالسلام التحية سميت الجنة دار السلام ، لأن أهلها يحيي بعضهم بعضا بالسلام والملائكة تسلم عليهم . قال الله تعالى : { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب * سلام عليكم } [ الرعد- 23 ] . وروينا عن جابر قال : " جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم فقال بعضهم : إنه نائم ، وقال بعضهم إن العين نائمة والقلب يقظان ، فقالوا : إن لصاحبكم هذا مثلا . قال : فاضربوا له مثلا . فقال بعضهم : مثله كمثل رجل بنى دارا ، وجعل فيها مأدبة ، وبعث داعيا ، فمن أجاب الداعي : دخل الدار ، وأكل من المأدبة ، ومن لم يجب الداعي : لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة ، فقالوا أولوها له يفقهها ، قال بعضهم : إنه نائم ، وقال بعضهم : إن العين نائمة والقلب يقظان ، فقالوا : فالدار الجنة والداعي محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن أطاع محمدا فقد أطاع الله ، ومن عصى محمدا فقد عصى الله ، ومحمد فرق بين الناس " . { ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } ، فالصراط المستقيم هو الإسلام ، عم بالدعوة لإظهار الحجة ، وخص بالهداية استغناء عن الخلق .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلَٰمِ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (25)

الجملة معطوفة على جملة { كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون } [ يونس : 24 ] ، أي نفصل الآيات التي منها آية حالة الدنيا وتقضيها ، وندعو إلى دار السلام دارِ الخلد . ولما كانت جملة { كذلك نفصل الآيات } [ يونس : 24 ] تذييلاً وكان شأن التذييل أن يكون كاملاً جامعاً مستقلاً جعلت الجملة المعطوفة عليها مثلها في الاستقلال فعُدل فيها عن الإضمار إلى الإظهار إذْ وضع قوله : { والله يدعو } موضع ندعو لأن الإضمار في الجملة يجعلها محتاجة إلى الجملة التي فيها المعاد .

وحُذف مفعول { يدعو } لقصد التعميم ، أي يدعو كل أحد . والدعوة هي : الطلب والتحريض . وهي هنا أوامر التكليف ونواهيه .

ودار السلام : الجنة ، قال تعالى : { لهم دار السلام عند ربهم } ، وقد تقدم وجه تسميتها بذلك في سورة [ الأنعام : 127 ] .

والهداية : الدلالة على المقصود النافع ، والمراد بها هنا خَلْق الاهتداء إلى المقصود بقرينة قوله : { مَن يشاء } بعد قوله : { والله يدعُو } المفيد التعميمَ فإن الدعوة إلى الجنة دلالة عليها فهي هداية بالمعنى الأصلي فتعين أنَّ { يهدي } هنا معناه إيجاد الهداية بمعنى آخر ، وهي حصول الاهتداء بالفعل ، أي خلق حصوله بأمر التكوين ، كقوله : { فريقاً هدَى وفريقاً حق عليهم الضلالة } [ الأعراف : 30 ] وهذا التكوين يقع إما في كل جزئية من جزئيات الاهتداء على طريقة الأشاعرة ، وإما بخلق الاستعداد له بحيث يقدر على الاهتداء عند حصول الأدلة على طريقة المعتزلة وهما متقاربان في الحال ، وشؤون الغيب خَفية . وقد تقدم شيء من ذلك عند قوله تعالى : { اهدنا الصراط المستقيم } [ الفاتحة : 6 ] .

والصراط المستقيم : الطريق الموصل .