تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلَٰمِ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (25)

وقوله تعالى : ( وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ ) اختلف فيه : قيل : الجنة هي[ في الأصل وم : و ] السلام ، الله أضافها إلى نفسه كقوله : ( وأن المساجد لله )[ الجن : 18 ] فأضاف الجنة إلى السلام ، إن كانت دار السلام هي الجنة ؛ فهو ، والله أعلم ، لأن المساجد هي أمكنة فيها القرب ، والجنة هي مكان اللذة وقضاء الشهوة ، وأضافها[ في الأصل وم : فأضافها ] إلى السلام لما يسلم أهلها من جميع الآفات والمساجد خصت بالإضافة إلى الله لأنها أمكنة تقام فيها القرب .

وقال بعضهم : دار السلام الإسلام . ثم يحتمل كل واحد من التأويلين [ وجوها :

أحدهما ][ في الأصل وم : وجهين ] : بما سمى الإسلام دار السلام [ سمى الجنة ][ في الأصل وم : والجنة كذلك سمى الإسلام ] دار السلام لأنه يأمن ، ويسلم كل من دخل فيه [ أمن ][ ساقطة من الأصل وم ] من جميع الأهوال كلها والآفات جميعا .

والثاني : [ بما ][ ساقطة من الأصل وم ] سمى الإسلام دار السلام أضافه[ الهاء ساقطة من الأصل وم ] إلى نفسه كقوله : ( أفمن شرح الله صدره للإسلام ] الآية[ الزمر : 22 ] أخبر أنه ( على نور من ربه )[ الزمر : 22 ] فعلى ذلك إضافة الإسلام لأن كل من دخل الجنة سلم ، وأمن من الأهوال كلها والآفات جميعا .

والثالث[ في الأصل وم : والثاني ] : دار الجنة والسلام [ لله ؛ أضافها ][ في الأصل وم : الله أضاف ] إليه لأنها دار أوليائه ، وقد تضاف إلى الله على إرادة أوليائه ، والله أعلم .

وروي في بعض الأخبار عن أبي قلابة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «قيل لي لتنم عينك وليعقل قلبك ، ولتسمع أذنك ، فنامت عيني ، وعقل قلبي ، وسمعت أذني ، ثم قيل لي : سيدٌ بنى دارا ، وجعل مائدة ، وأرسل داعيا ، فمن أجاب الداعي دخل الدار ، وأكل من المائدة ، ورضي عن السيد ، ومن لم يجب لم يدخل الدار ، ولم يأكل من المائدة ، ولم يرض عنه السيد »[ الدارمي11 ] فالله السيد ، والدار الإسلام ، والمائدة الجنة ، والداعي محمد صلى الله عليه وسلم .

إن ثبت هذا الخبر فيه أن الدار الإسلام على ما قاله بعض أهل التأويل في خبر آخر عن جابر بن عبد الله : قال : «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ، فقال : رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي ، قال أحدهما لصاحبه : اضرب له مثلا ، فقال : اسمع سمعت أذنك ، واعقل عقل قلبك ؛ إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملِكٍ اتخذ دارا ، ثم بنى فيها بنيانا ، فأتمه ، ثم جعل فيها مائدة ، ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه ، فمنهم من أجاب الرسول ، ومنهم من تركه فالله الملك ، والدار الإسلام ، والبيت الجنة ، وأنت يا محمد الرسول من أجابك دخل الإسلام ، ومن دخل الإسلام دخل الجنة ، ومن دخل الجنة أكل ما فيها »[ الترمذي : 2860 ] يدل أيضا إن ثبت أن الدار التي ذكر في الآية هو الإسلام ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ ) الآية ذكر الاستثناء في الهداية ، ولم يذكر في الدعاء ليعلم أن لا كل من يدعو إلى دار السلام يهديه ، وإنما يهدي[ في الأصل وم : يهديه ] من يعلم منه أنه يختار الهدى . وذلك على القدرية .

ثم الهدى على وجوه ثلاثة :

أحدها : الدعاء كقوله : ( ولكل قوم هاد )[ الرعد : 7 ] والثاني : هو البيان كقوله : ( هدى ورحمة )[ الأعراف : 52 ] يعني القرآن . والثالث : التوفيق والعصمة ؛ إذا وفق اهتدى ، والهدى ههنا التوفيق .