لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلَٰمِ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (25)

قوله سبحانه وتعالى : { والله يدعو إلى دار السلام } لما ذكر الله زهرة الحياة الدنيا وأنها فانية زائلة لا محالة دعا إلى داره والله يدعو إلى دار السلام . قال قتادة : الله هو السلام وداره الجنة فعلى هذا السلام اسم من أسماء الله عز وجل ومعناه أنه سبحانه وتعالى سلم من جميع النقائص والعيوب والفناء والتغيير . وقيل : إنه سبحانه وتعالى يوصف بالسلام لأن الخلق سلموا من ظلمه . وقيل : إنه تعالى يوصف بالسلام بمعنى ذي السلام أي لا يقدر على تخليص العاجزين من المكاره والآفات إلا هو .

وقيل : دار السلام اسم للجنة وهو جمع سلامة . والمعنى : أن من دخلها فقد سلم من جميع الآفات ، كالموت والمرض والمصائب والحزن والغم والتعب والنكد . وقيل : سميت الجنة دار السلام لأن الله سبحانه وتعالى يسلم على أهلها أو تسلم الملائكة عليهم . قيل : إن من كمال رحمة الله وجوده وكرمه على عباده ، أن دعاهم إلى جنته التي هي دار السلام .

وفيه دليل على أن فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، لأن العظيم لا يدعو إلا إلى عظيم ولا يصف إلا عظيماً ، وقد وصف الله سبحانه وتعالى الجنة في آيات كثيرة من كتابه : { ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } يعني : والله يهدي من يشاء من خلقه إلى صراطه المستقيم وهو دين الإسلام عم بالدعوة أولاً إظهاراً للحجة وخص بالدعوة ثانياً استغناء عن الخلق وإظهاراً للقدرة فحصلت المغايرة بين الدعوتين ( خ ) .

عن جابر قال : «جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم فقال بعضهم : إنه نائم وقال بعضهم : العين نائمة والقلب يقظان فقالوا : إن لصاحبكم مثلاً فاضربوا له مثلاً فقالوا مثله كمثل رجل بنى داراً وجعل فيها مأدبة وبعث داعياً فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة » ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة فقالوا أولوها يفقهها فإن العين نائمة والقلب يقظان فقال بعضهم الدار الجنة والداعي محمد فمن أطاع محمداً فقد أطاع الله ومن عصى محمداً فقد عصى الله ومحمد فرق بين الناس وفي رواية : «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني رأيت في المنام كأن جبريل عليه السلام عند رأسي وميكائيل عند رجلي يقول أحدهما لصاحبه اضرب له مثلاً » وعن النواس بن سمعان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله ضرب مثلاً صراطاً مستقيماً على كتفي الصراط داران لهما أبواب مفتحة على الأبواب ستور وداع يدعو على رأس الصراط وداع يدعو فوقه والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم والأبواب التي على كتفي الصراط حدود الله فلا يقع أحد في حدود الله حتى يكشف الستر والذي يدعو من فوقه واعظ ربه » أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب .