قوله تعالى : { والله يدعوا إلى دَارِ السلام } الآية .
لمَّا نفر العقلاء عن الميل إلى الدُّنيا ، رغَّبهُم في الآخرة بهذه الآية ، قال قتادة : " السَّلام هو الله ، وداره الجنَّة " {[18395]} .
وسمِّي الله - تعالى - بالسَّلام لوجوه :
أحدها : أنَّه لمَّا كان واجب الوُجُودِ لذاته ، فقد سَلِمَ من الفناء والتَّغيير ، وسلم في ذاته وصفاته من الافتقار إلى الغير ، وهذه الصِّفةُ ليست إلاَّ له - سبحانه .
وثانيها : وصف بالسلام ، أي : أنَّ الخَلْق سَلِمُوا من ظُلْمِهِ ؛ ولأنَّ كل ما سواه فهو مُلْكُه ومِلْكُه ، وتصرُّفُ المالك في ملك نفسه لا يكون ظُلْماً .
وثالثها : قال المُبَرِّد : " وصف بالسلام ، أي : لا يقدر على السَّلام إلاَّ هو ، والسَّلام : عبارة عن تخليص العاجزين عن الآفات ، وهو المنتصف للمظلُومين من الظالمين " وعلى هذا التقدير : السَّلام مصدر " سَلِمَ " .
وقيل : سُمِّيت الجنَّة دارَ السلام ؛ لأنَّ من دخلها سلم من الآفات ، وقيل : المرادُ بالسَّلام : التَّحية ؛ لأنَّه - تعالى - يُسَلِّم على أهلها ، قال - تعالى - : { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [ يس : 58 ] ، والملائكةُ يُسلِّمُون عليهم أيضاً ، قال - تعالى - : { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ } [ الرعد : 23-24 ] ، وهم يُحيُّون بعضهم بعضاً بالسَّلام ، قال - تعالى - : { وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } [ يونس : 10 ] .
وروى جابرٌ ، قال : " جاءت ملائكةُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو نائمٌ ، فقالوا : إنَّ لصاحبكُم هذا مثلاً ، مثله كمثل رجُل بنى داراً ، وجعل فيها مأدُبَةً ، وبعثَ داعياً فمنْ أجاب الدَّاعِي ، دخل الدَّار ، وأكل من المَأدبة ، ومنْ لمْ يُجبِ الدَّاعي ، لم يدخُل الدَّار ، ولمْ يأكلْ من المأدُبةِ ، فالدَّارُ الجنَّة ، والدَّاعي محمَّدٌ ، فمن أطاع محمداً ، فقد أطاعَ اللهَ ، ومنْ عَصَى مُحمداً ، فقد عصى الله " {[18396]} .
قال ابن عبَّاسٍ : " الجِنان سبعٌ : دار الجلال ، ودار السَّلام ، وجنَّة عدن ، وجنَّةُ المأوى ، وجنَّة الخُلْدِ ، وجنَّة الفردوس ، وجنَّة النَّعيم " {[18397]} .
ثم قال تعالى : { وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } : وهو الإسلام .
وروي عن عليِّ بن أبي طالب - كرَّم الله وجهه - قال : سمعت رسُول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الصِّراط المستقيم : كتابُ الله{[18398]} .
وقال قتادة ، ومجاهد : هو الحق{[18399]} .
وقيل : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وعمر{[18400]} .
واحتجَّ أهلُ السُّنَّة : على أنَّ الكفر والإيمان بقضاء الله - تعالى - ؛ لأنَّه - تعالى - بيَّن في هذه الآيةِ ، أنَّه دعا جميع الخلق إلى دار السَّلام ، ثم بيَّن أنَّه ما هدى إلاَّ بعضهم ، فهذه الهدايةُ الخاصَّةُ ، يجبُ أن تكون مغايرة لتلك الدعوة العامَّة ، ولا شكَّ أنَّ الإقدار ، والتمكين ، وإرسال الرُّسُل ، وإنزال الكُتُب أمورٌ عامَّة ، فوجب أن تكون الهداية الخاصَّة مغايرة لكلِّ هذه الأشياء ، وما ذاك إلاَّ أنَّه - تعالى - خصَّه بالعلم والمعرفة ، دُون غيره .
الأول : أن المراد : ويهدي الله من يشاء ، إلى إجابة تلك الدَّعوة ، أي : أنَّ من أجاب الدُّعاء ، وأطاع واتَّقَى ، فإنَّ الله يهديه إليها .
والثاني : أن المراد بهذه الهداية الألطافُ ، وأجيب عن هذين الوجهين ، بأنَّ عندكم يجب على الله فعل هذه الهداية ، وما يكون واجباً ، لا يكون معلَّقاً بالمشيئةِ ، فامتنع حمله على ما ذكرتم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.