السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلَٰمِ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (25)

ولما نفّر تعالى الغافلين عن الميل إلى الدنيا بالمثل السابق رغبّهم في الآخرة بقوله تعالى : { والله يدعو } أي : يعلق دعاءه على سبيل التجدّد والاستمرار بالمدعوين { إلى دار السلام } . قال قتادة : السلام هو الله ، وداره الجنة ، وسمي سبحانه وتعالى بالسلام ؛ لأنه واجب الوجود لذاته ، فقد سلم من الفناء والتغير ، وسلم من احتياجه في ذاته وصفاته ، ومن الافتقار إلى الغير ، وهذه الصفة ليست إلا له سبحانه كما قال تعالى : { والله الغني وأنتم الفقراء } [ محمد ، 38 ] وقال تعالى : { يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله } [ فاطر ، 15 ] . وقيل : السلام بمعنى السلامة . وقيل : المراد بالسلام الجنة ، سميت الجنة دار السلام ؛ لأنّ أهلها يحيِّي بعضهم بعضاً بالسلام ، والملائكة تسلم عليهم . قال الله تعالى : { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب 23 سلام عليكم } [ الرعد ، 32 ، 24 ] ومن كمال رحمته وجوده وكرمه على عباده أن دعاهم إلى الجنة التي هي دار السلام ، وفيه دليل على أنّ فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ؛ لأنّ العظيم لا يدعو إلا إلى عظيم ، ولا يصف إلا عظيماً . وقد وصف الله تعالى الجنة في آيات كثيرة من كتابه . وعن جابر قال : جاءت ملائكة إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو نائم فقالوا : إنّ صاحبكم هذا مثله كمثل رجل بنى داراً ، وجعل فيها مائدة ، وبعث داعياً فمن أجب الداعي دخل الدار ، وأكل من المائدة ، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ، ولم يأكل من المائدة ، والدار الجنة ، والداعي محمد صلى الله عليه وسلم { و } الله { يهدي من يشاء } من عباده بما يخلق في قلبه من الهداية { إلى صراط مستقيم } وهو دين الإسلام ، عمّ سبحانه وتعالى بالدعوة أوّلا إظهاراً للحجة ، وخص بالهداية ثانياً إظهاراً للقدرة ؛ لأنَّ الحكم له في خلقه . وقال الجنيد : الدعوة عامة ، والهداية خاصة ، بل الهداية عامة والصحبة خاصة ، بل الصحبة عامة والاتصال خاص . وقيل : يدعو بالآيات ، ويهدي للحقائق والمعارف . وقيل : الدعوة لله والهداية من الله . وقال بعضهم : لا تنفع الدعوة لمن لم يسبق له من الله الهداية .