معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَا رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفۡرُطَ عَلَيۡنَآ أَوۡ أَن يَطۡغَىٰ} (45)

قوله تعالى : { قالا } يعني : موسى وهارون { ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا } قال ابن عباس رضي الله عنهما : يعجل علينا بالقتل والعقوبة . يقال : فرط عليه فلان إذا عجل بمكروه وفرط منه أمر أي : بدر وسبق { أو أن يطغى } أي : يجاوز الحد في الإساءة إلينا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَا رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفۡرُطَ عَلَيۡنَآ أَوۡ أَن يَطۡغَىٰ} (45)

وقرأ الجمهور «يَفُرط » بفتح الياء وضم الراء ومعناه يعجل ويسرع بمكروه فينا ومنه فارط في الماء وهو الذي يتقدم القوم إليه قال الشاعر القطامي عمير بن شييم : [ البسيط ]

واستعجلوا وكانوا من صحابتنا . . . كما تعجَّل فرّاط لورّاد{[3]}

وقالت فرقة { يُفرِط } بضم الياء وكسر الراء ومعناه يشتط في إذايتنا ، وقرأ ابن محيصن «يُفرَط » بضم الياء وفتح الراء ومعناها أن يحمله حامل على التسرع إلينا .


[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَا رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفۡرُطَ عَلَيۡنَآ أَوۡ أَن يَطۡغَىٰ} (45)

فصلت الجملتان لوقوعهما موقع المحاورة بين موسى مع أخيه وبين الله تعالى على كلا الوجهين اللذين ذكرناهما آنفاً ، أي جمعا أمرهما وعزم موسى وهارون على الذهاب إلى فرعون فناجيا ربّهما { قَالاَ رَبَّنا إنَّنا نَخَافُ أن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أو أن يطغى } ، لأنّ غالب التفكير في العواقب والموانع يكون عند العزم على الفعل ، والأخذِ في التهيُّؤ له ، ولذلك أُعيد أمرهما بقوله تعالى : { فَأْتِيَاهُ } .

و { يَفْرُطَ } معناه يعجّل ويسبق ، يقال : فَرط يفرُط من باب نصر . والفارط : الذي يسبق الواردة إلى الحوض للشرب . والمعنى : نخاف أن يعجّل بعِقابنا بالقتل أو غيره من العقوبات قبل أن نبلُغه ونحجّه .

والطغيان : التظاهر بالتكبر . وتقدم آنفاً عند قوله { اذهب إلى فرعون إنه طغى } [ طه : 24 ] ، أي نخاف أن يُخامره كبره فيعدّ ذكرنا إلهاً دونه تنقيصاً له وطعْناً في دعواه الإلهية فيطغى ، أي يصدر منه ما هو أثر الكبر من التحقير والإهانة . فذكر الطغيان بعد الفَرط إشارة إلى أنّهما لا يطيقان ذلك ، فهو انتقال من الأشدّ إلى الأضعف لأن { نخاف يؤول إلى معنى النفي . وفي النفي يذكر الأضعف بعد الأقوى بعكس الإثبات ما لم يوجد ما يقتضي عكس ذلك .

وحذف متعلّق { يطغى } فيحتمل أن حذفه لدلالة نظيره عليه ، وأوثر بالحذف لرعاية الفواصل . والتقدير : أو أن يطغى علينا . ويحتمل أن متعلّقه ليس نظير المذكور قبله بل هو متعلّق آخر لكون التقسيم التقديري دليلاً عليه ، لأنهما لما ذكر متعلّق { يفرط علينا وكان الفَرْط شاملاً لأنواع العقوبات حتى الإهانة بالشتم لزم أن يكون التقسيم بأو منظوراً فيه إلى حالة أخرى وهي طغيانه على من لا يناله عقابه ، أي أن يطغى على الله بالتنقيص كقوله : { ما علمت لكم من إله غيري } [ القصص : 38 ] وقوله : { لعليّ اطّلِعُ إلى إله موسى } [ القصص : 38 ] ، فحذف متعلق { يطغى حينئذ لتنزيهه عن التصريح به في هذا المقام . والتقدير : أو أن يطغى عليك فيتصلّب في كفره ويعسر صرفه عنه . وفي التحرز من ذلك غيرة على جانب الله تعالى ، وفيه أيضاً تحرز من رسوخ عقيدة الكفر في نفس الطاغي فيصير الرجاء في إيمانه بعد ذلك أضعف منه فيما قبل ، وتلك مفسدة في نظر الدّين . وحصلت مع ذلك رعاية الفاصلة .