السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالَا رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفۡرُطَ عَلَيۡنَآ أَوۡ أَن يَطۡغَىٰ} (45)

ثم إنّ موسى وهارون { قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط } أي : يعجل { علينا } بالعقوبة { أو أن يطغى } أي : يتجاوز الحد في الإساءة علينا ، فإن قيل : لما تكرّر الأمر من الله تعالى بالذهاب ، فعدم الذهاب والتعلل بالخوف هل يدل على معصية ؟ أجيب : بأنّ الأمر ليس على الفور فسقط السؤال وهذا من أقوى الدلائل على أنّ الأمر لا يقتضي الفور ، فإن قيل : قوله تعالى : { قالا ربنا } يدل على أنّ المتكلم موسى وهارون ولم يكن هارون هناك حاضراً ؟ أجيب : بأنّ الكلام كان مع موسى إلا أنه كان متبوع هارون فجعل الخطاب معه خطاباً مع هارون وكلام هارون على سبيل التقدير في تلك الحالة وإن كان موسى وحده إلا أنه تعالى أضافه إليهما كما في قوله تعالى : { وإذ قتلتم نفساً فادّارأتم فيها } [ البقرة ، 72 ] وقوله : { لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل } [ المنافقون ، 8 ] روي أنّ القائل عبد الله بن أبيّ وحده ، فإن قيل : إنّ موسى عليه السلام قال : { رب اشرح لي صدري } [ طه ، 25 ] فأجابه الله تعالى بقوله : { قد أوتيت سؤلك يا موسى } [ طه ، 36 ] وهذا يدل على أنه تعالى قد شرح صدره ويسر له ذلك الأمر . فكيف قال بعده : { إنا نخاف } فإنّ حصول الخوف يمنع من حصول شرح الصدر ؟ أجيب : بأنّ شرح الصدر عبارة عن تقويته على ضبط تلك الأوامر والنواهي وحفظ تلك الشرائع على وجه لا يتطرق إليها السهو والتحريف وذلك شيء آخر غير الخوف .