إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قَالَا رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفۡرُطَ عَلَيۡنَآ أَوۡ أَن يَطۡغَىٰ} (45)

{ قَالاَ رَبَّنَا } أُسند القولُ إليهما مع أن القائلَ حقيقةً هو موسى عليه الصلاة والسلام بطريق التغليبِ إيذاناً بأصالته في كل قولٍ وفعلٍ وتبعيّةِ هارونَ عليه السلام له في كل ما يأتي ويذر ، ويجوز أن يكون هارونُ قد قال ذلك بعد تلاقيهما فحَكى ذلك مع قول موسى عليه السلام عند نزولِ الآية كما في قوله تعالى : { يأَيُّهَا الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات } فإن هذا الخطابَ قد حُكي لنا بصيغة الجمع مع أن كلاًّ من المخاطَبين لم يخاطَب إلا بطريق الانفرادِ ضرورةَ استحالةِ اجتماعِهم في الوجود فكيف باجتماعهم في الخطاب { إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا } أي يعجَلَ علينا بالعقوبة ولا يصبِرَ إلى إتمام الدعوةِ وإظهارِ المعجزة من فرَط إذا تقدّم ومنه الفارِطُ وفرسٌ فارِطٌ يسبِق الخيلَ ، وقرئ يُفرِطَ من أفرطه إذا حمله على العجلة ، أي نخاف أن يحمِله حاملٌ من الاستكبار أو الخوف على المُلك أو غيرهما على المعاجلة بالعقاب { أَوْ أَن يطغى } أي يزداد طغياناً إلى أن يقول في شأنك ما لا ينبغي لكمال جراءتِه وقساوته ، وإطلاقُه من حسن الأدب ، وإظهارُ كلمة أن مع سَداد المعنى بدونه لإظهار كمالِ الاعتناء بالأمرِ والإشعارِ بتحقق الخوفِ من كل منهما .