الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَالَا رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفۡرُطَ عَلَيۡنَآ أَوۡ أَن يَطۡغَىٰ} (45)

قوله : { أَن يَفْرُطَ } : " أَنْ يَفْرُطَ " مفعولُ " نخاف " . ويقال : فَرَطَ يَفْرُط : سَبَقَ وَتَقَدَّم ، ومنه الفارِطُ . وهو الذي يتقدَّم الورادةَ إلى الماء وفَرَسٌ فَرَطٌ : يسبقُ الخيلَ ، أي : نخافُ أَنْ يُعَجِّلَ علينا بالعقوبةِ ويبادِرَنا بها ، قاله الزمخشري ، ومِنْ وُرودِ الفارط بمعنى المتقدِّم على الواردة قولُ الشاعر :

واسْتعجلونا وكانوا مِنْ صحابَتنا *** كما تَقَدَّم فُرَّاطُ لوُرَّادِ

وفي الحديث : " أنا فَرَطُكم على الحَوْضِ " أي : سابقُكم ومتقدِّمُكم .

وقرأ يحيى بن وثاب وابنُ محيصن وأبو نَوْفلٍ " يُفْرَط " بضمِّ حرف المضارعة وفتح الراء على البناء للمفعول ، والمعنى : خافا أن يُسْبَقَ في العقوبةِ . أي : يحملُه حامِلٌ عليها وعلى المعاجلة بها : إمَّا قومُه وإمَّا حُبُ الرئاسةِ ، وإمَّا ادِّعاؤه الإِلَهيةَ .

وقرأ ابن محيصن في روايةٍ والزعفراني " أَن يُفَرِّطَ " بضمِّ حرفِ المضارَعَةِ وكسر الراء مِنْ أفرط . قال الزمخشري : " مِنْ أَفْرَطَه غيرُه إذا حمله على العَجَلة ، خافا أَنْ يَحْمِلَه حاملٌ على المُعاجلة بالعقاب " . قال كعب ابن زهير .

تَنْفِي الرياحُ القَذَى عنه وأَفْرَطَه *** مِنْ صَوْبِ ساريةٍ بِيْضٌ يَعالِيْلُ

أي : سَبَقَتْ إليه هذه البِيْضُ لتملأَه . وفاعلُ " يَفْرُطَ " ضميرُ فرعون . وهذا هو الظاهر الذي ينبغي أَنْ لا يُعْدَلَ عنه . وجعله أبو البقاء مضمراً لدلالة الكلامِ عليه فقال " فيجوز أن يكون التقدير : أن يَفْرط علينا منه قولٌ ، فأضمر القولَ لدلالة الحالِ عليه كما تقول : فَرَطَ مني قول ، وأن يكونَ الفاعلُ ضميرَ فرعون كما كان في " يَطْغى " .