قوله تعالى : { وهو على كل شيء قدير ولئن أرسلنا ريحا } باردة مضرة فأفسدت الزرع ، { فرأوه مصفراً } أي : رأوا النبت والزرع مصفراً بعد الخضرة ، { لظلوا } لصاروا ، { من بعده } أي : بعد اصفرار الزرع ، { يكفرون } يجحدون ما سلف من النعمة ، يعني : أنهم يفرحون عند الخصب ، ولو أرسلت عذاباً على زرعهم جحدوا سالف نعمتي .
{ ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا } فرأوا الأثر أو الزرع فإنه مدلول عليه بما تقدم ، وقيل السحاب لأنه إذا كان { مصفرا } لم يمطر واللام موطئة للقسم دخلت على حرف الشرط وقوله : { لظلوا من بعده يكفرون } جواب سد مسد الجزاء ولذلك فسر بالاستقبال . وهذه الآية ناعية على الكفار بقلة تثبتهم وعدم تدبرهم وسرعة تزلزلهم لعدم تفكرهم وسوء رأيهم ، فإن النظر السوي يقتضي أن يتوكلوا على الله ويلتجئوا إليه بالاستغفار إذا احتبس القطر عنهم ولا ييأسوا من رحمته ، وأن يبادروا إلى الشكر والاستدامة بالطاعة إذا أصابهم برحمته ولم يفرطوا في الاستبشار وأن يصبروا على بلائه إذا ضرب زرعهم بالاصفرار ولا يكفروا نعمه .
عطف على جملة { وإن كانوا من قبل أن يُنزل عليهم من قبلِه لمُبْلسين } [ الروم : 49 ] وما بينهما اعتراض واستطراد لغرض قد علمته آنفاً . وهذه الجملة سيقت للتنبيه على أن الكُفران مطبوع في نفوسهم بحيث يعاودهم بأدنى سبب فهم إذا أصابتهم النعمة استبشروا ولم يشكروا وإذا أصابتهم البأساء أسرعوا إلى الكفران فصُوّر لكفرهم أعجبُ صورة وهي إظهارهم إياه بحدثان ما كانوا مستبشرين منه إذ يكون الزرع أخضر والأمل في الارتزاق منه قريباً فيصيبه إعصار فيحترق فيضجّون من ذلك وتكون حالهم حالة من يكفر بالله وتجري على أقوالهم عبارات السخط والقنوط ، كما قال بعض رجّاز الأعراب إذ أصاب قومَه قحط :
ربَّ العباد ما لنا وما لكْ *** قد كنتَ تسقينا فما بدا لكْ
أنزِل علينا الغيثَ لاَ أبا لكْ
فالضمير المنصوب في { رأوه } عائد إلى { أثر رحمة الله } [ الروم : 50 ] وهو الزرع والكلأ والشجر . والاصفرار في الزرع ونحوه مؤذن بيبسه ، وسموا صُفَاراً بضم الصاد وتخفيف الفاء : داء يصيب الزرع .
والمُصْفَر : اسم فاعل مقتضٍ الوصف بمعناه في الحال ، أي فرأوه يَصير أصفر ، فالتعبير ب { مصفراً } لتصوير حدثان الاصفرار عليه دون أن يقال : فرأوه أصفر .
وظل : بمعنى صار ، والإتيان بفعل التصيير مع الإخبار عنه بالمضارع لتصوير مبادرتهم إلى الكفر ثم استمرارهم عليه . والحاصل أن المعنى أنه يغلب الكفر على أحوالهم . واعلم أن الإتيان بالأفعال الثلاثة ماضية لأن وقوعها في سياق الشرط يمحضها للاستقبال ، فأوثرت صيغة المضي لأنها أخف والمتكلم مخيَّر في اجتلاب أيّ الصيغتين مع الشرط ، مثل قوله { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله } [ الإسراء : 88 ] بصيغة المضارع لأن المقام للنفي ب { لا وهي لا تدخل على الماضي المسند إلى مفرد إلا في الدعاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.