فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَلَئِنۡ أَرۡسَلۡنَا رِيحٗا فَرَأَوۡهُ مُصۡفَرّٗا لَّظَلُّواْ مِنۢ بَعۡدِهِۦ يَكۡفُرُونَ} (51)

{ ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون51 فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين52 وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون53 *الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير54 }

ظلوم جهول جنس المكلفين ، إلا من هدى الله البر الرحيم ، فإن الكثيرين إن مسهم الشر قنطوا ، وإذا جاءتهم الحسنة بطروا ، يتزلزل الإنسان ، ويقل ثباته ، وقد ينعدم توكله ، فلأدنى سبب يكفر بنعمة الله ، ولئن صرفنا وسيرنا ريحا ضارة{[3387]} ، باردة أو حارة ، فرأوا الذي أنبتناه- بسبب الودق والمطر- قد ذهبت حضرته ، وزالت الريح بهجته ونضرته ، لتمادوا – بعد استبشارهم- يكفرون بربهم ، واللام في{ لئن } موطئة للقسم دخلت على حرف الشرط- إن- ، والفاء في{ فرأوه } هي فاء الفصيحة ، واللام في قوله تعالى : { لظلوا } لام جواب القسم الساد مسد الجوابين- جواب القسم وجواب الشرط- نقل عن الخليل وغيره : { لظلوا } بمعنى ليظلن ، وحسن وقوع الماضي في موقع المستقبل لما في الكلام من معنى المجازاة ، والمجازاة لا تكون إلا في المستقبل . . اه .

ولو عقلوا الصبر في البأساء ، وشكروا في النعمة والرخاء ، وأيقنوا أن الله تعالى يفعل ما يشاء ، وأن حرثهم فضل من العزيز الوهاب ، يسبغه على من يشاء ، وينزعه ممن يشاء : )أفرأيتم ما تحرثون . أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون . لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون . إنا لمغرمون . بل نحن محرومون( {[3388]} . ثم سلى نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم حتى لا يحزن لعدم اهتدائهم بتذكيره ، فإنه صلوات الله عليه وسلامه ليس مسؤولا عن أصحاب الجحيم ، إنما هو مبلغ الحجة لمن يشاء منهم أن يستقيم ، لكنهم أماتوا عقولهم ، وأصموا آذانهم )إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون . ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم( {[3389]} فهؤلاء كالموتى ) . . وما أنت بمسمع من في القبور . إن أنت إلا نذير( {[3390]} ، - لا نجعل لهم أسماعا يفهمون بها عنك ما تقول لهم{[3391]} ، وإنما هذا مثل معناه : فإنك لا تقدر أن تفهم هؤلاء المشركين الذين قد ختم الله على أسماعهم فسلبهم فهم ما يتلى عليهم من مواعظ تنزيله ، كما لا تقدر أن تفهم الموتى الذين قد سلب الله أسماعهم بأن تجعل لهم أسماعا ، وقوله : { ولا تسمع الصم الدعاء }


[3387]:روى ابن كثير عن ابن أبي حاتم-بسنده – عن عبيد الله بن عمرو قال: الرياح ثمانية: أربعة منها رحمة وأربعة منها عذاب، فأما الرحمة فالناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات، وأما العذاب فالعقيم والصرصر، وهما في البر، والعاصف والقاصف وهما في البحر، فإذا شاء سبحانه وتعالى حركه بحركة الرحمة فجعله رخاء ورحمة وبشرى بين يدي رحمته ولاقحا للسحاب... فريح لينة رطبة تغذي النبات وأبدان الحيوان، وأخرى تجففه، وأخرى تهلكه وتعطبه.. وأخرى توهنه وتضعفه.اهـ جـ3 ص 437.
[3388]:سورة الواقعة. الآيات: 23 إلى 27.
[3389]:سورة يونس. الآيتان 96، 97.
[3390]:سورة فاطر. من الآية 22، والآية 23.
[3391]:أورد صاحب روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني بحثا مستفيضا في سماع الموتى، وساق جملة من الأحاديث النبوية، وكيف اختلفت العلماء في هذا الشأن، وقد أربى البحث على ألف وخمسمائة كلمة، من شاء فليراجع جـ21 ص 55 وما بعدها.