اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَئِنۡ أَرۡسَلۡنَا رِيحٗا فَرَأَوۡهُ مُصۡفَرّٗا لَّظَلُّواْ مِنۢ بَعۡدِهِۦ يَكۡفُرُونَ} (51)

قوله : { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً } لما بين أنهم عند توقف الخير يكونون مُنِيبِينَ آيِسِينَ ، وعند ظهوره يكونون مستبشرين بين أن تلك الحالة أيضاً لا يدومون عليها بل لو أصاب زرعهم ريحٌ مفسِد لكفروا فهم متقلبون غير تامِّين نظرهم إلى الحالة{[42226]} لا إلى المآلِ{[42227]} .

فصل :

سمى النافعة رياحاً ، والضارة ريحاً لوجوه :

أحدها : أن النافعة كثيرة الأنواع كبيرة الأفراد ، فجمعها لأن في كل يوم وليلة ( تَهُبُّ{[42228]} ) نفحات من الرياح النافعة ، ( و{[42229]} ) لا تهب الريح{[42230]} الضارة في أعوام بل الضارة لا تهب في الدهور .

الثاني : أن النافعة لا تكون إلا رياحاً وأما الضارة فنفحة واحدة تقتل كريح السَّمُوم .

الثالث : جاء في الحديث «أن ريحاً هَبَّتْ فقال عليه ( الصلاة و{[42231]} ) السلام : «اللَّهم اجْعلها رِيَاحاً وَلاَ تَجْعَلْهَا رِيحاً »{[42232]} . إشارة إلى قوله تعالى : { يُرْسِلُ الرياح بُشْرىً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } [ الأعراف : 57 ] وقوله : { يُرْسِلَ الرياح مُبَشِّرَاتٍ } [ الروم : 46 ] وإشارة إلى قوله تعالى : ف { أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الريح العقيم } [ الذاريات : 41 ] وقوله : { رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ تَنزِعُ الناس } [ القمر : 19 ، 20 ] .

فصل :

معنى الآية ولئن أرسلنا ريحاً أي مُضرّة أفسدت الرزعَ فرأوه مصفراً بعد الخُضْرَة لظلّوا لصاروا من بعد اصفرار الزرع يكفرون يجحدون ما سلف من النعمة يعني أنهم يفرحون عند الخَصْب ، ولو أرسلت عذاباً على زرعهم ( جحدوا{[42233]} ) سالِفَ نعمتي .

قوله : «فَرَأَوْهُ » أي فرأوا النبات لدلالة السياق عليه أو على الأثر ، لأن الرحمة هي الغيث وأثرها هو النبات وهذا ظاهر على قراءة الإفراد ، وأما على قراءة الجمع فيعود على المعنى . وقيل : الضمير للسَّحَابِ . وقيل : للريح{[42234]} . وقرأ ( جَنَاحُ{[42235]} ) بْنُ حبيش مُصْفَاراً{[42236]} بألف و «لظلوا » جواب القسم الموطأ لَهُ «بِلَئِنْ » وهو ماض لفظاً مستقبل{[42237]} معنى ، كقوله : { مَا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ } [ البقرة : 145 ] والضمير في «من بعده » يعود على الاصفرار المدلول عليه بالصفة كقوله :

4045 - إِذَا نُهِيَ السَّفِيهُ جَرَى إِلَيْهِ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[42238]}

أي السَّفَهُ ، لدلالة السفيه عَلَيهِ .


[42226]:في "ب" الحال- وهو الأصح.
[42227]:انظر: التفسير الكبير للفخر الرازي 25/134.
[42228]:ساقط من "ب".
[42229]:ساقط من "ب".
[42230]:في "ب" الرياح.
[42231]:زيادة من "ب".
[42232]:الحديث أورده ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر 2/272.
[42233]:ساقط من "ب".
[42234]:انظر هذه الأقوال في القرطبي 14/45.
[42235]:ساقط من "ب".
[42236]:انظر: مختصر ابن خالويه 116 وهي شاذة غير متواترة.
[42237]:الدر المصون 4/334.
[42238]:هذا صدر بيت من الوافر وهو مجهول قائله عجزه: .............. *** وخالف السفيه إلى خلاف وقوله: "إذا نهي" متعلقه عام أي عن أي شيء وخالف السفيه ناهيه أو زاجره هذا على تقدير المفعول، وجملة "والسفيه إلى خلاف" تذييل أي أن المخالفة والميل إلى مخالفة الناصح شأن واستشهد بالبيت في كلمة "إليه" حيث عاد الضمير الذي في تلك الكلمة إلى المصدر المفهوم المدلول عليه بالوصف السابق في كلمة "السفيه"، والمصدر المفهوم هو السَّفَه، وانظر: معاني القرآن للفراء 1/104 ومجالس ثعلب 60 والمحتسب 1/170، والإنصاف 140، والهمع 1/65 والخزانة 3/226 و 227.