البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَئِنۡ أَرۡسَلۡنَا رِيحٗا فَرَأَوۡهُ مُصۡفَرّٗا لَّظَلُّواْ مِنۢ بَعۡدِهِۦ يَكۡفُرُونَ} (51)

{ ولئن أرسلنا ريحاً } : أخبر تعالى عن حال تقلب ابن آدم ، أنه بعد الاستبشار بالمطر ، بعث الله ريحاً ، فاصفر بها النبات .

لظلوا يكفرون قلقاً منهم ، والريح التي تصفر النبات صر حرور ، وهما مما يصبح به النبات هشيماً ، والحرور جنب الشمال إذا عصفت .

والضمير في { فرأوه } عائد على ما يفهم من سياق الكلام ، وهو النبات .

وقيل : إلى الأثر ، لأن الرحمة هي الغيث ، وأثرها هو النبات .

ومن قرأ : آثار ، بالجمع ، رجع الضمير إلى آثار الرحمة ، وهو النبات ، واسم النبات يقع على القليل والكثير ، لأنه مصدر سمى به ما ينبت .

وقال ابن عيسى : الضمير في { فرأوه } عائد على السحاب ، لأن السحاب إذا اصفر لم يمطر ؛ وقيل : على الريح ، وهذان قولان ضعيفان .

وقرأ صباح بن حبيش : مصفاراً ، بألف بعد الفاء .

واللام في { ولئن } مؤذنة بقسم محذوف وجوابه لظلوا ، وهو مما وضع فيه الماضي موضع المستقبل اتساعاً تقديره : ليظلن ، ونظيره قوله تعالى : { ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك } أي ما يتبعون ذمهم تعالى في جميع أحوالهم ، كان عليهم أن يتوكلوا على فضل الله فقنطوا ، وإن شكروا نعمته فلم يزيدوا على الفرح والاستبشار ، وإن تصبروا على بلائه كفروا .

والضمير في { من بعده } عائد على الاصفرار ، أي من بعد اصفرار النبات تجحدون نعمته .