السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَئِنۡ أَرۡسَلۡنَا رِيحٗا فَرَأَوۡهُ مُصۡفَرّٗا لَّظَلُّواْ مِنۢ بَعۡدِهِۦ يَكۡفُرُونَ} (51)

ولما بين أنهم عند توقف الخير يكونون آيسين وعند ظهوره يكونون مستبشرين بين أن تلك الحالة أيضاً لا يدومون عليها بقوله تعالى : { ولئن أرسلنا } أي : بعد وجود هذا الأثر الحسن { ريحاً } عقيماً { فرأوه } أي : الأثر لأنّ الرحمة هي الغيث وأثرها هو النبات أو الزرع لدلالة السياق عليه { مصفراً } قد بدل وأخذ في التلف من شدّة يبس الريح إمّا بالحرّ أو البرد ، وقيل : رأوا السحاب لأنه إذا كان مصفراً لم يمطر ، ويجوز أن يكون الضمير للريح من التعبير بالسبب عن المسبب .

تنبيه : اللام موطئة للقسم دخلت على حرف الشرط . وقوله تعالى { لظلوا } أي : لصاروا { من بعده } أي : اصفراره { يكفرون } أي : بيأسهم من روح الله ، جواب سدّ مسدّ الجزاء ولذلك فسر بالاستقبال .

تنبيه : سمى النافعة رياحاً والضارّة ريحاً لوجوه : أحدها : أنّ النافعة كثيرة الأنواع كثيرة الأفراد فجمعها لأن في كل يوم وليلة تهب نفحات من الرياح النافعة ولا تهب الريح الضارّة في أعوام بل الضارّة لا تهب في الدهور . ثانيها : أنّ النافعة لا تكون إلا رياحاً وأما الضارة فنفخة واحدة تقبل كريح السموم . ثالثها : جاء في الحديث أنّ ريحاً هبت فقال عليه الصلاة والسلام : «اللهمّ اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً » إشارة إلى قوله تعالى { فأرسلنا عليهم الريح العقيم } ( الذاريات : 41 ) وقوله تعالى { ريحاً صرصراً } إلى قوله { تنزع الناس } ( القمر : 20 ) .