معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡۖ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنۡهُمۡ لَيَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (146)

قوله تعالى : { الذين آتيناهم الكتاب } . يعني مؤمني أهل الكتاب عبد الله ابن سلام وأصحابه .

قوله تعالى : { يعرفونه } . يعني يعرفون محمداً صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى : { كما يعرفون أبناءهم } . من بين الصبيان .

قال عمر بن الخطاب لعبد الله بن سلام : إن الله قد أنزل على نبيه ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ) فكيف هذه المعرفة ؟ قال عبد الله : يا عمر لقد عرفته حين رأيته كما عرفت ابني ومعرفتي بمحمد صلى الله عليه وسلم أشد من معرفتي بابني ، فقال عمر : كيف ذلك ؟ فقال أشهد أنه رسول الله حق من الله تعالى وقد نعته الله في كتابنا ولا أدري ما تصنع النساء ، فقال عمر : وفقك الله يا ابن سلام فقد صدقت .

قوله تعالى : { وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق } . يعني صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأمر الكعبة .

قوله تعالى : { وهم يعلمون } .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡۖ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنۡهُمۡ لَيَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (146)

{ الذين آتيناهم الكتاب } يعني علماءهم { يعرفونه } الضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن لم يسبق ذكره لدلالة الكلام عليه . وقيل للعلم ، أو القرآن ، أو التحويل { كما يعرفون أبناءهم } يشهد للأول : أي يعرفونه بأوصافه كمعرفتهم أبناءهم لا يلتبسون عليهم بغيرهم . عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه سأل عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أنا أعلم به مني بابني قال : ولم ، قال : لأني لست أشك في محمد أنه نبي فأما ولدي فلعل والدته قد خانت { وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون } تخصيص لمن عاند واستثناء لمن آمن .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡۖ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنۡهُمۡ لَيَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (146)

الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( 146 )

{ الذين } في موضع رفع بالابتداء ، والخبر { يعرفونه }( {[1391]} ) ، ويصح أن يكون في موضع خفض نعتاً للظالمين و { يعرفونه } في موضع الحال .

وخص الأبناء دون الأنفس وهي ألصق ، لأن الإنسان يمر عليه من زمنه برهة( {[1392]} ) لا يعرف فيها نفسه ، ولا يمر عليه وقت لا يعرف فيه ابنه ، والمراد هنا معرفة الوجه وميزه لا معرفة حقيقة النسب( {[1393]} ) ، ولعبد الله بن سلام رضي الله عنه في هذا الموضع كلام معترض( {[1394]} ) يأتي موضعه إن شاء الله( {[1395]} ) ، والضمير في { يعرفونه } عائد على الحق في القبلة والتحول بأمر الله إلى الكعبة ، قاله ابن عباس وقتادة وابن جريج والربيع ، وقال قتادة أيضاً ومجاهد وغيرهما : هو عائد على محمد صلى الله عليه وسلم( {[1396]} ) ، أي يعرفون صدقه ونبوته( {[1397]} ) ، والفريق الجماعة ، وخص لأن منهم من أسلم ولم يكتم ، والإشارة بالحق إلى ما تقدم من الخلاف في ضمير { يعرفونه } ، فعم الحق مبالغة في ذمهم ، و { هم يعلمون } ظاهر في صحة الكفر عناداً .


[1391]:- أورد أبو (ح) في البحر المحيط أوجها كثيرة في إعراب (الذين) والظاهر انعقاد الكلام من مبتدأ وخبر، واستقلاله عما قبله بحيث لا يكون من التوابع، وذلك مما يدل على اهتمام السياق بالمقام، والله أعلم.
[1392]:- البرهة المدة الطويلة من الزمان. وهي بضم الباء وبفتحها.
[1393]:- أي وجه الأبناء، وتمييز صورتهم لإثبات نسبهم وتحقيق بنوتهم، ويدخل في الأبناء الإناث كما تدخل في الأولاد، ولذلك كان الحبس على الأبناء أو الأولاد يدخل فيه البنات على مذهب مالك رحمه الله، ومنهم من يفرق بين الذكور والإناث، ولكل وجهة هو موليها.
[1394]:- روي كما في (ق) أن عمر رضي الله عنه قال لعبد الله بن سلام: أتعرف محمدا صلى الله عليه وسلم كما تعرف ابنك ؟ فقال: نعم وأكثر، بعث الله أمينه في سمائه إلى أمينه في أرضه بنَعْته فعرفته، وابني لا أدري ما كان من أمه، والمراد أن معرفتي به صلى الله عليه وسلم قطعية لأنها عن الله، ومعرفتي بابني ظنية لأني لا أدري ما كان من أمه. ونص اعتراض المؤلف في سورة الأنعام: قال القاضي أبو محمد: وتأول ابن سلام رضي الله عنه المعرفة بالابن تحقق صحة نسبه – وغرض الآية إنما هو الوقوف على صورته فلا يخطئ الأب فيها. انتهى.
[1395]:- سيأتي في سورة الأنعام عند قوله تعالى: [الذين آتياناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون].
[1396]:- يؤيد ذلك ما ذكروه من قصة عمر مع عبد الله بن سلام رضي الله عنهما. وفي هذه الآية ما يشهد للفرق بين العلم والتصديق، فهاهم أولاء يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ولكنهم لم يصدقوه، ومثل هذه الآية قوله تعالى في قوم فرعون: [وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم] وقول موسى لفرعون: [لقد علمت ما أنزل الله هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا] ومثل هذه قصة أبي طالب، فإنه كان يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صادق وبارّ وراشد ولكنه لم يؤمن ولم يصدق لحكمة يعلمها الله وحده، ويجب علينا نحن الإيمان بها.
[1397]:- وأوصافه.