محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡۖ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنۡهُمۡ لَيَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (146)

{ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون 146 } .

{ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم } أي يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم معرفة لا امتراء فيها ، كما لا يمترون في معرفة أولادهم من بين أولاد الناس . وهذه المعرفة مستفادة من الكتاب . كما أخبر تعالى عن نعته فيه بقوله : { يجدونه مكتوبا / عندهم في التوراة والإنجيل } {[844]} يعني يعرفونه بالأوصاف المذكورة في التوراة والإنجيل بأنه هو النبيّ الموعود بحيث لا يلتبس عليهم . كما يعرفون أبناءهم ، ولا تلتبس أشخاصهم بغيرهم . فهو تشبيه للمعرفة العقلية الحاصلة من مطالعة الكتب السماوية ، بالمعرفة الحسيّة في أن كلا منهما يقينيّ ، لا اشتباه فيه .

وقد روي عن عمر{[845]} ( أنه قال لعبد الله بن سلام : أتعرف محمدا كما تعرف ولدك ؟ قال : نعم وأكثر . نزل الأمين من السماء على الأمين في الأرض بنعته فعرفته . وإني لا أدري ما كان من أمه . فقبّل عمر رأسه ) . { وإن فريقا منهم } أي أهل الكتاب ، مع ذلك التحقق والإيقان العلميّ { ليكتمون الحق } أي يخفونه ولا يعلنونه { وهم يعلمون } أي الحق ، أو عقاب الكتمان ، أو أنهم يكتمون . قال الراغب : لم يقل يكتمونه . لأن في كتمان أمره الحق جملة . وزاد في ذمهم بقوله : { وهم يعلمون } فإنه ليس المرتكب ذنبا عن جهل ، كمن يرتكبه عن علم .


[844]:[7/ الأعراف/ 157] ونصها: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون 157}.
[845]:هذا النص نقله ابن كثير في تفسيره عن القرطبي. ج أول ص 194.