فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡۖ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنۡهُمۡ لَيَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (146)

{ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ، الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ، ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير } .

{ الذين آتيناهم الكتاب } يعني علماء اليهود والنصارى ، وقيل أراد به مؤمني أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه { يعرفونه } الضمير لمحمد صلى الله عليه وسلم وإن لم يسبق له ذكر لدلالة الكلام عليه وعدم اللبس ، ذكره القاضي ويقال عليه بل سبق ذكره بلفظ الرسول مرتين أي يعرفون نبوته ، روي ذلك عن مجاهد وقتادة وطائفة من أهل العلم ، وقيل يعرفون تحويل القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة بالطريق التي قدمنا ذكرها ، وبه قال جماعة من المفسرين ، ورجح صاحب الكشاف الأول ، وعندي أن الراجح الآخر كما يدل عليه السياق الذي سيقت له هذه الآية .

{ كما يعرفون أبناءهم } أنهم منهم لا يشكون فيه ، ولا يشتبه عليهم كما لا تشتبه عليهم أبناؤهم من أبناء غيرهم ، يعني يعرفون أن القبلة التي صرفتك إليها هي قبلة إبراهيم وقبلة الأنبياء قبلك ، كما يعرفون أولادهم ، قال ابن سلام : لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني ومعرفتي بمحمد أشد ، وخص الأبناء دون البنات أو الأولاد لأن الذكور أعرف وأشهر ، وهم لصحبة الآباء ألزم وبقلوبهم ألصق ، والالتفاتات عن الخطاب إلى الغيبة للإيذان بأن المراد ليس معرفتهم له صلى الله عليه وسلم من حيث ذاته ونسبه بل من حيث كونه مسطورا في الكتاب منعوتا بالنعوت التي من جملتها أنه صلى الله عليه وسلم يصلي إلى القبلتين كأنه قيل : الذين آتيناهم الكتاب يعرفون من وصفناه فيه ، وبهذا تظهر جزالة النظم الكريم ذكره الكرخي .

{ وإن فريقا منهم } أي من علماء أهل الكتاب { ليكتمون الحق } يعني أمر القبلة أو صفة محمد صلى الله عليه وسلم فكتم الحق هو عند أهل القول الأول نبوته صلى الله عليه وسلم ، وعند أهل القول الثاني استقبال الكعبة { وهم يعلمون } أن كتمان الحق معصية .