معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٞ} (89)

قوله تعالى : { فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم } قال ابن عباس : كان قومه يتعاطون علم النجوم فعاملهم من حيث كانوا لئلا ينكروا عليه ، وذلك أنه أراد أن يكايدهم في أصنامهم ليلزمهم الحجة في أنها غير معبودة ، وكان لهم من الغد عيد ومجمع ، وكانوا يدخلون على أصنامهم ويفرشون لهم الفراش ويضعون بين أيديهم الطعام قبل خروجهم إلى عيدهم ، زعموا التبرك عليهم فإذا انصرفوا من عيدهم أكلوه ، فقالوا لإبراهيم : ألا تخرج غداً معنا إلى عيدنا ؟ فنظر إلى النجوم فقال : إني سقيم ، قال ابن عباس : مطعون ، وكانوا يفرون من الطاعون فراراً عظيماً . قال الحسن : مريض . وقال مقاتل : وجع . وقال الضحاك : سأسقم .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٞ} (89)

{ فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم } روي : أن قومه كان لهم عيد يخرجون إليه فدعوه إلى الخروج معهم ، فحينئذ قال : { إني سقيم } ليمتنع عن الخروج معهم ، فيكسر أصنامهم إذا خرجوا لعيدهم وفي تأويل ذلك ثلاثة أقوال :

الأول : أنها كانت تأخذه الحمى في وقت معلوم ، فنظر في النجوم ليرى وقت الحمى ، واعتذر عن الخروج لأنه سقيم من الحمى .

الثاني : أن قومه كانوا منجمين وكان هو يعلم أحكام النجوم فأوهمهم أنه استدل بالنظر في علم النجوم أنه يسقم ، فاعتذر بما يخاف من السقم عن الخروج معهم .

الثالث : أن معنى نظر في النجوم أنه نظر وفكر فيما يكون من أمره معهم فقال : { إني سقيم } والنجوم على هذا ما ينجم من حاله معهم ، وليست بنجوم السماء ، وهذا بعيد وقوله : { إني سقيم } على حسب هذه الأقوال يحتمل أن يكون حقا لا كذب فيه ولا تجوز أصلا ، ويعارض هذا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أن إبراهيم كذب ثلاث كذبات ، أحدها : قوله : { إني سقيم } ، ويحتمل أن يكون كذبا صراحا ، وجاز له ذلك لهذا الاحتمال لأنه فعل ذلك من أجل الله إذ قصد كسر الأصنام " ، ويحتمل أن يكون من المعاريض فإن أراد أنه سقيم فيما يستقبل لأن كل إنسان لا بد له أن يمرض ، أو أراد أنه سقيم النفس من كفرهم وتكذيبهم له وهذان التأويلان أولى ، لأن نفي الكذب بالجملة معارض للحديث ، والكذب الصراح لا يجوز على الأنبياء ، عند أهل التحقيق ، أما المعاريض فهي جائزة .