الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٞ} (89)

ثم قال : { فنظر نظرة في النجوم } .

ذكر أن قوم إبراهيم صلى الله عليه وسلم {[57455]} كانوا أهل نجوم وكانوا يهربون من الطاعون ، فطمع أن يتركوا بيت آلهتهم ويخرجوا فيخالفهم إليها فيكسرها فرأى نجما قد طلع فعصب رأسه وقال إني مطعون {[57456]} {[57457]} .

قال ابن عباس : قالوا له وهو في بيت آلهتهم : اخرج معنا {[57458]} فقال : إني مطعون وتركوه {[57459]} مخافة الطاعون {[57460]} .

وقال الضحاك : تركوه لما قال إني مطعون مخافة أن يعديهم {[57461]} .

وقال ابن زيد : أرسل إليه ملكهم أن غدا عيدنا فاحضر معنا . قال : فنظر نظرة إلى النجوم {[57462]} ، فقال : إن ذلك النجم لم يطلع قط إلا طلع بسقم لي ، فقال : إني سقيم {[57463]} .

قال ابن عباس : " سقيم " مريض {[57464]} .

وقال الحسن : " فنظر نظرة في النجوم " أي : فكر فيما يعمل إذا كلفوه {[57465]} الخروج {[57466]} ، فالمعنى على هذا القول فنظر نظرة فيما نجح له من الرأي ، أي : فيما طلع {[57467]} له يقال : نجم القول والنبت إذا طلعا {[57468]} أي : فكر فعلم أنه لا بد لكل حي أن يسقم ، فقال : إني سقيم .

قال الخليل : يقال للرجل إذا فكر في الشيء كيف يدبره : نظر في النجوم {[57469]} .

وقيل : المعنى : فنظر فيما نجم من الأشياء ، أي : طلع منها ، فعلم أن لها خلقا ومدبرا ، وعلم {[57470]} أنها تتغير {[57471]} وعلم أن ذلك يلحقه فقال : إني سقيم {[57472]} .

فتكون النجوم في هذين القولين مصدرا و {[57473]} على القول الأول جمع نجم .

وقيل : إنهم كانوا يعرفون أن نجما إذا طلع يطلع بالطاعون ، فكان إذا طعن رجل منهم هربوا منه ، فطلع ذلك النجم ، فقال إبراهيم : إني سقيم أي : مطعون فهربوا منه ، وكان غلاما أمرد ، فهو {[57474]} معنى قوله : { فتولوا عنه مدبرين } .

وقيل : إنه كان يحم في ساعة قد اعتاده ذلك فنظر في الأوقات ، وقت {[57475]} الساعة {[57476]} التي تأتيه الحمى فيها ، فوجدها تلك الساعة التي دعي إلى الخروج معهم إلى جمعهم فقال : إني سقيم {[57477]} أي : إن هذه الساعة أسقم فيها بالحمى التي اعتادتني ، فجعل ذلك علة لتخلفه عنهم ، فيما قال صادقا ، لأن الحمى كانت تأتيه في ذلك الوقت ، فكان {[57478]} قد أضمر كسر أصنامهم إذا تخلف بعدهم وغابوا ففعل ذلك .

وقيل : معنى قوله : " إني سقيم " أي : سأسقم لأن من كان في عقبه الموت سقيم ، وإن لم يكن في وقته ذلك سقيما كما قال تعالى ذكره {[57479]} لنبيه {[57480]} : { إنك ميت وإنهم ميتون } {[57481]}

أي : ستموت ويموتون {[57482]} .

وقيل : إن ذلك من {[57483]} إبراهيم {[57484]} كان تحيلا عليهم في ذات الله {[57485]} .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لم يكذب إبراهيم عليه السلام غير ثلاث كذبات اثنتين في ذات الله " {[57486]} قوله : " إني سقيم " وقوله : { بل فعله كبيرهم هذا " وقوله في سارة " هي أختي " {[57487]} .


[57455]:ساقط من ب
[57456]:المصدر السابق
[57457]:ذكره الطبري في جامع البيان 23/70
[57458]:ب: "معنى" وهو تحريف
[57459]:ب: "فتركوه"
[57460]:انظر: جامع البيان 23/70 وتفسير ابن كثير 4/14
[57461]:انظر: جامع البيان 23/71
[57462]:في ب: "كتب" فنظر نظرة إلى النجوم يعمل إذا كلفوه الخروج فالمعنى على هذا القول ولعل في هذا خلط من الناسخ
[57463]:انظر: جامع البيان 23/71
[57464]:المصدر السابق
[57465]:ب: "إذا كلفه"
[57466]:وقفت على قول الحسن في اللسان مادة "نجم" 12/571
[57467]:ب: "يظهر"
[57468]:انظر: ذلك في اللسان مادة "نجم" 12/568
[57469]:انظر: إعراب النحاس 3/428 والجامع للقرطبي 15/92 وفتح القدير 4/401
[57470]:ساقط من ب
[57471]:ب: "وأنها"
[57472]:انظر: الجامع للقرطبي 15/93
[57473]:ساقط من ب
[57474]:ب: "فهي"
[57475]:ساقط من ب
[57476]:ب: "وهي في الساعة"
[57477]:ورد هذا القول مختصرا وغير منسوب أيضا في الجامع للقرطبي 15/92
[57478]:ب: "وكان"
[57479]:ب: "تعالى جل ذكره"
[57480]:ب: "لنبيه صلى الله عليه وسلم"
[57481]:الزمر: آية 29
[57482]:ورد هذا القول في جامع البيان 23/71 بصيغة "وقال آخرون" وورد في الجامع للقرطبي 15/93 مختصرا ومنسوبا إلى الضحاك
[57483]:مثبت في طرة ب
[57484]:ب: "إبراهيم صلى الله عليه وسلم"
[57485]:ب: "الله عز وجل"
[57486]:ب: "الله تعالى"
[57487]:أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب أحاديث الأنبياء 4/112 ومسلم في صحيحه كتاب الفضائل، باب: من فضائل إبراهيم الخليل 7/98 وأبو داود في سننه 2212 والترمذي في سننه تفسير سورة الأنبياء 3214 وقال: "هذا حديث صحيح" وأحمد في مسنده 2/417 وكلهم أخرجوه عن أبي هريرة