نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٞ} (89)

{ فقال } أي عقب هذه النظرة موهماً أنها سببه .

ولما كان بدنه صحيحاً فكان بصدد أن يتوقف في خبره ، أكد فقال : { إني سقيم * } فأوهم أن مراده أنه مريض الجسد وأراد أنه مريض القلب يسبب آلهتهم ، مقسم الفكر في أمرهم لأنه يريد أمراً عظيماً وهو كسرها ، ومادة " سقم " بتقاليبها الخمسة : سقم سمق قسم قمس مقس ، تدور على القسم ، فالسقام كسحاب وجبل وقفل : المرض ، أي لأنه يقسم القوة والفكر ، وقال ابن القطاع : سقم : طاولة المرض . وقسمه جزأه ، والدهر القوم : فرقهم ، والقسم - بالكسر : النصيب والقسم أي بالفتح : العطاء ، ولا يجمع ، والرأي والشك والعيب والماء والقدر والخلق والعادة ، ويكسر فيهما ، والتفريق ظاهر في ذلك كله ، أما العطاء فيفرق المال ويقسمه ، والرأي يقسم الفكر ، والشك كذلك ، والعيب يقسم العرض ، والماء في غاية ما يكون من سهولة القسم ، والقدر يفصل صاحبه من غيره ، وكذا الخلق والعادة ، والمقسم كمعظم : المهموم - لتوزع فكره ، والجميل - لأنه يقسم القول في وصفه ، والقسم محركة : اليمين بالله ، وقد أقسم ، أي أزال تقسيم الفكر ، والقسامة : الحسن - لأنه يوزع فكر الناظر ، وجونة العطار - كذلك لطيب ريحها ، والقسام - كسحاب : شدة الحر - لأنها تزعج الفكر فتقسمه ، أو هو أول وقت الهاجرة أو وقت ذرور الشمس ، وهي حينئذ أحسن ما تكون مرآة - فينقسم الفكر فيها لحسنها إذ ذاك وما يطرأ عليها بعده . والقمس : الغوص - لأن الغائص قسم الماء بغوصه ، والقمس أيضاً اضطراب الولد في البطن لأنه يقسم الفكر ، ويكاد أن يقسم البطن باضطرابه ، والقاموس : معظم البحر - لأن البحر قسم الأرض ، ومعظمه أحق بهذا الاسم ، والقوامس : الدواهي - لتقسيمها الفكر ، وانقمس النجم : غرب ، أي أخذ قسمه من الغروب كما أخذه من الشروق ، أو أزال التقسيم بالسير ، ومقسه في الماء : غطه - فانقسم الماء بغمسه فيه ، والقربة : ملأها ، فصير فيها من الماء ما يسهل قسمه ، وأخذه الماء الذي وضعه فيها تقسيم للماء المأخوذ منه ، ومقس الشيء : كسره ، والماء : جرى - فانقسم وقسم الأرض ، وهو يمقس الشعر كيف شاء ، أي بقوله فيقسمه من باقي الكلام ، والتقميس في الماء : الإكثار من صبه ، فإن ذلك تقسيم له ، وسمق سموقاً : علا وطال فصار بطوله يقبل من القسمة ما لا يقبله ما هو دونه .