مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٞ} (89)

أما قوله : { إني سقيم } فمعناه سأسقم كقوله : { إنك ميت } أي ستموت الوجه الثالث : أن قوله : { فنظر نظرة في النجوم } هو قوله تعالى : { فلما جن عليه الليل رأى كوكبا } إلى آخر الآيات وكان ذلك النظر لأجل أن يتعرف أحوال هذه الكواكب هل هي قديمة أو محدثة ، وقوله : { إني سقيم } يعني سقيم القلب غير عارف بربي وكان ذلك قبل البلوغ الوجه الرابع : قال ابن زيد كان له نجم مخصوص ، وكلما طلع على صفة مخصوصة مرض إبراهيم ولأجل هذا الاستقراء لما رآه في ذلك الوقت طالعا على تلك الصفة المخصوصة قال : { إني سقيم } أي هذا السقم واقع لا محالة الوجه الخامس : أن قوله : { إني سقيم } أي مريض القلب بسبب إطباق ذلك الجمع العظيم على الكفر والشرك ، قال تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم :

{ لعلك باخع نفسك } الوجه السادس : في الجواب أنا لا نسلم أن النظر في علم النجوم والاستدلال بمقايستها حرام ، لأن من اعتقد أن الله تعالى خص كل واحد من هذه الكواكب بقوة وبخاصية لأجلها يظهر منه أثر مخصوص ، فهذا العلم على هذا الوجه ليس بباطل . وأما الكذب فغير لازم لأنه ذكر قوله : { إني سقيم } على سبيل التعريض بمعنى أن الإنسان لا ينفك في أكثر أحواله عن حصول حالة مكروهة ، إما في بدنه وإما في قلبه وكل ذلك سقم . الوجه السابع : قال بعضهم ذلك القول عن إبراهيم عليه السلام كذبة ورووا فيه حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « ما كذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات » قلت لبعضهم هذا الحديث لا ينبغي أن يقبل لأن نسبة الكذب إلى إبراهيم لا تجوز فقال ذلك الرجل فكيف يحكم بكذب الرواة العدول ؟ فقلت لما وقع التعارض بين نسبة الكذب إلى الراوي وبين نسبته إلى الخليل عليه السلام كان من المعلوم بالضرورة أن نسبته إلى الراوي أولى ، ثم نقول لم لا يجوز أن يكون المراد بكونه كذبا خبرا شبيها بالكذب ؟ والوجه الثامن : أن المراد من قوله { فنظر نظرة في النجوم } أي نظر في نجوم كلامهم ومتفرقات أقوالهم ، فإن الأشياء التي تحدث قطعة قطعة يقال إنها منجمة أي متفرقة ومنه نجوم الكتابة ، والمعنى أنه لما سمع كلماتهم المتفرقة نظر فيها كي يستخرج منها حيلة يقدر بها على إقامة عذر لنفسه في التخلف عنهم فلم يجد عذرا أحسن من قوله : { إني سقيم } والمراد أنه لا بد من أن أصير سقيما كما تقول لمن رأيته على أوقات السفر إنك مسافر .