معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوٓاْۚ إِنَّهُمۡ لَا يُعۡجِزُونَ} (59)

قوله تعالى : { ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا } ، قرأ أبو جعفر ، وابن عامر ، وحمزة ، وحفص ، ( يحسبن ) بالياء ، وقرأ الآخرون بالتاء ، ( سبقوا ) أي : فأتوا ، نزلت في الذين انهزموا يوم بدر من المشركين . فمن قرأ بالياء يقول ( لا يحسبن الذين كفروا ) أنفسهم سابقين فائتين من عذابنا ، ومن قرأ بالتاء فعلى الخطاب ، قرأ ابن عامر .

قوله تعالى : { أنهم لا يعجزون } . بفتح الألف ، أي : لأنهم لا يعجزون ، ولا يفوتونني . وقرأ الآخرون بكسر الألف على الابتداء .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوٓاْۚ إِنَّهُمۡ لَا يُعۡجِزُونَ} (59)

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { وَلا تَحْسَبَنَّ } يا محمَّد { الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا } أي : فاتونا فلا نقدر عليهم ، بل هم تحت قهر قدرتنا وفي قبضة مشيئتنا فلا يعجزوننا ، كما قال تعالى : { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } [ العنكبوت : 4 ]أي : يظنون ، وقال تعالى : { لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ } [ النور : 57 ] ، وقال تعالى{[13104]} { لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ } [ آل عمران : 196 ، 197 ] .


[13104]:في د: "وقوله".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوٓاْۚ إِنَّهُمۡ لَا يُعۡجِزُونَ} (59)

تسلية النبي صلى الله عليه وسلم على ما بدأه به أعداؤه من الخيانة مثل ما فعلت قريظة ، وما فعل عبد الله بن أبي سلول وغيرهم من فلول المشركين الذين نجوا يوم بدر ، وطمأنة له وللمسلمين بأنّهم سيدالون منهم ، ويأتون على بقيتهم ، وتهديد للعدوّ بأنّ الله سيمكّن منهم المسلمين .

والسبق مستعار للنجاة ممّن يَطلب ، والتفلّت من سلطته . شبه المتخلّص من طالبه بالسابق كقوله تعالى : { أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا } [ العنكبوت : 4 ] وقال بعض بني فقعس

كأنكَ لم تُسبَق من الدهر مرة *** إذا أنت أدركتَ الذي كنت تطلب

أي كأنّك لم يفتك ما فاتك إذا أدركته بعد ذلك ، ولذلك قوبل السبق هنا بقوله تعالى : { إنهم لا يعجزون } ، أي هم وإن ظهرت نجاتهم الآن ، فما هي إلاّ نجاة في وقت قليل ، فهم لا يعجزون الله ، أو لا يعجزون المسلمين ، أي لا يُصِيِّرون من أفلِتوا منه عاجزاً عن نوالهم ، كقول إياس بن قبيصة الطائي :

ألم تر أنّ الأرض رحب فسيحة *** فهل تعج زَنِّي بُقعة من بقاعها

وحذف مفعول { يعجزون } لظهور المقصود .

وقرأ الجمهور { ولا تحسبن } بالتاء الفوقية . وقرأه ابن عامر ، وحمزة ، وحفص ، وأبو جعفر { ولا تحسبن } بالياء التحتية وهي قراءة مشكلة لعدم وجود المفعول الأول لحسب ، فزعم أبو حاتم هذه القراءة لحناً ، وهذا اجتراء منه على أولئك الايمة وصحة روايتهم ، واحتجّ لها أبو علي الفارسي بإضمار مفعول أول يدلّ عليه قوله : { إنهم لا يعجزون } أي لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سبقوا ، واحتج لها الزجاج بتقدير ( أنَّ ) قبل { سبقوا } فيكون المصدر سادّاً مسدّ المفعولين ، وقيل : حذف الفاعل لدلالة الفعل عليه . والتقدير : ولا يحسبنّ حاسب .

وقوله : { إنهم لا يعجزون } قرأه الجمهور بكسر همزة { إنهم } استئناف بياني جواباً عن سؤال تثيره جملة : { ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا } وقرأ ابن عامر { أنهم بفتح همزة ( أنّ ) على حذف لام التعليل فالجملة في تأويل مصدر هو علة للنهي ، أي لأنّهم لا يعجزون ، قال في « الكشّاف » : كلّ واحدة من المكسورة والمفتوحة تعليل إلاّ أنّ المكسورة على طريقة الاستئناف والمفتوحة تعليل صريح .