الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوٓاْۚ إِنَّهُمۡ لَا يُعۡجِزُونَ} (59)

قوله : { ولا تحسبن الذين كفروا{[27672]} سبقوا } ، إلى قوله : { وأنتم لا تظلمون }[ 59 ، 60 ] .

خطّأ أبو{[27673]} حاتم من قرأ ب : " الياء " {[27674]} ، ووجهها{[27675]} عند غيره ظاهر حسن{[27676]} .

والمعنى في " الياء " : ولا تحسبن من خلفهم الذين كفروا سبقوا ، فيكون ضمير الفاعل في { تحسبن } ، يعود على { من خلفهم }[ 58 ] ، و{ الذين كفروا } : مفعول أول ، و{ سبقوا } في موضع الثاني{[27677]} .

وقال الفراء التقدير : أن سبقوا{[27678]} .

وقال : وفي حرف عبد الله{[27679]} : /{ ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون }{[27680]} .

وروي عنه : " ولا يَحْسَبَ " ، بفتح الباء{[27681]} ، على إرادة النون [ الخفيفة ]{[27682]} .

ومن فتح : { إنهم }{[27683]} ، وقرأ ب " الياء " أوب : " التاء " فمعناه : لأنهم{[27684]} ، ولا يجوز أن يكون مفعولا ثانيا ب : " حسب " ، كما لا يجوز : حسبت زيدا أنه قائم ؛ لأن زيدا غير قيامه ، ولو قلت : حسبت أمرك أنك قائم ، جاز فتح " أن " لأن أمرك هو قيامك{[27685]} .

ومعنى ذلك : لا يحسب من ظفر بالخلاص من هذه الوقعة سبق .

ثم قال : { إنهم لا يعجزون }[ 59 ] ، لا يفوتون{[27686]} .

ومن قرأ ب : " الياء " فمعناه : لا يحسب من خلفهم الذين كفروا سبقوا{[27687]} ، أي : بالخلاص ، ثم قال : { إنهم لا يعجزون } ، أي : لا يفوتون .


[27672]:زيادة من "ر".
[27673]:السجستاني، سهل بن محمد، إمام البصرة في النحو والقراءة واللغة والعروض، سلفت ترجمته.
[27674]:وفتح السين على لفظ الغيبة، وهي قراءة حفص، وحمزة، وابن عامر، كما في التبصرة 212، وإعراب القراءات السبع 1/230، والتيسير 96، وزاد المسير 3/373. وممن تكلم في قراءة الياء أيضا: الفراء في معاني القرآن 1/416، وفيه: "وما أحبها لشذوذها"، والطبري في جامع البيان 14/28، وفيه: "وهي قراءة غير حميدة، لمعنيين، أحدهما: خروجها من قراءة القرأة وشذوذها عنها. والآخر: بعدها من فصيح كلام العرب"، والزمخشري في الكشاف 2/218، وفيه: "...وليست هذه القراءة بنيرة". ولا عبرة بهذه الأقاويل، فالقراءة سبعية متواترة، كما سبق أعلاه، ولها تخريج معتبر في العربية، ينظر: في المصادر المذكورة أسفله، هامش 4، وهي قراءة السواد الأعظم من المسلمين اليوم.
[27675]:في "ر"وجهها.
[27676]:كما عند المؤلف نفسه في الكشف 1/493، ومشكل إعراب القرآن 1/318، والنحاس في إعراب القرآن 2/192، والزجاج في معاني القرآن 2/421، وأبي زرعة في حجة القراءات 312. ولمزيد من التوضيح، ينظر: المحرر الوجيز 2/455، والبحر المحيط 4/505، 506، والدر المصون 3/429، 430، وحاشية الصاوي على الجلالين 2/113، وفتح القدير 2/365.
[27677]:إعراب القرآن للنحاس 2/192، بزيادة في لفظه.
[27678]:معاني القرآن 1/415، بلفظ: "ولو كان مع {سبقوا}، "أن" استقام ذلك، فتقول: "ولا يحسب الذين كفروا أن سبقوا". وقال المؤلف في الكشف 1/493: "ويجوز أن يضمر مع {سبقوا}، "أن"، فتسد مسد المفعولين، والتقدير: ولا يحسبن الذين كفروا أنفسهم أن سبقوا، فهو مثل: {أحسب الناس أن يتركوا}،[العنكبوت: 1]، في سد "أن" مسد المفعولين". انظر: جامع البيان 14/29.
[27679]:ابن مسعود رضي الله عنه، ومن مصادر قراءته هذه، إضافة إلى معاني القرآن للفراء: قراءة عبد الله بن مسعود 111، وجامع البيان 14/28، وإعراب القرآن للنحاس 1/192، وعنه نقل مكي، ومعاني القرآن للزجاج 2/421، والكشاف 2/219، والمحرر الوجيز 2/545، والبحر المحيط 4/505، والدر المصون 3/429.
[27680]:معاني القرآن 1/414.
[27681]:في الأصل: بفتح الياء، مثناة من تحت، وهو تصحيف، وتحرفت فيه: "النون"، إلى "النور"، براء مهملة.
[27682]:زيادة يقتضيها السياق من إعراب القرآن للنحاس 2/193، الذي نقل عنه مكي. والقراءة في: قراءة عبد الله بن مسعود 111، وكتاب المصاحف لأبي بكر السجستاني 62، والمحرر الوجيز 2/545، وفيه: "قال أبو عمرو الداني: بالياء من تحت وبغير نون في يحسب". وبها قرأ الأعمش كما في الكشاف 2/219، بكسر "الباء" وبفتحها، على حذف النون الخفيفة، والبحر المحيط 4/506، بفتح السين والياء من تحت وحذف النون، وينبغي أن يخرج على حذف النون الخفيفة لملاقاة الساكن....، والدر المصون 3/430، بفتح الباء، وتخريجها على أن الفعل مؤكد بنون التوكيد الخفيفة، فحذفها لالتقاء الساكنين، كما يحذف له التنوين، فهو كقول الآخر [الأضبط بن قريع السعدي]: ولا تُهين الفقير علك أن *** تركع يوما والدهر قد رفعه. قال ابن الشجري في أماليه 2/166: "أراد تهينن فحذف "النون"، وبقيت "ياء": تهين لثبات الفتحة بعدها".
[27683]:وهي قراءة ابن عامر وحده، قرأ بفتح الهمزة، وكسرها باقي السبعة، كما في التبصرة 212، وكتاب السبعة في القراءات 308 وإعراب القراءات السبع وعللها 1/230، والتيسير 96.
[27684]:قال في الكشف 1/494: "قرأ ابن عامر بفتح الهمزة، على إضمار اللام وحذفها، أي: سبقوا لأنهم لا يعجزون"، انظر: مشكل إعراب القرآن 1/319.
[27685]:انظر: إعراب القرآن للنحاس 2/193.
[27686]:مجاز القرآن 1/249. وهو تفسير السدي في جامع البيان 14/31، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1721، وزاد نسبته إلى ابن عباس.
[27687]:هذا التوجيه هو للنحاس في إعراب القرآن 2/192، وسبق توثيقه قريبا، انظر: الكشف 1/393، 394.